أصبح السودان، الذي يحاذي البحر الأحمر ودول الساحل والقرن الإفريقي، متصدراً الأخبار من جديد، إذ إن اندلاع الحرب الأخيرة أودى بحياة نحو 400 شخص، كما أن الأحداث الجارية في السودان يمكن أن تحرك «عش الدبابير» الكبير في المنطقة. وفي الواقع ثمة احتمال قوي بأن الحرب يمكن أن يكون لها مفعول حجارة الدومينو عبر دول حوض تشاد ودول الساحل المضطربة أصلاً.
نتائج كارثية
وبالنظر إلى قرب السودان من تشاد، وهي دولة عانت من النشاطات المدمرة لجماعات العنف المتطرف بما فيها «بوكو حرام»، والجماعة التي انبثقت منها وهي تنظيم «داعش في غرب إفريقيا» خلال العقد الماضي، وكذلك من جمهورية إفريقيا الوسطى، فإن القتال الدائر في المناطق المدنية من السودان مثل الخرطوم، وأم درمان، يمكن أن يكون له نتائج كارثية على السلام والأمن في المنطقة. ويتسم هذا القتال بأهمية خاصة بالنظر إلى ارتفاع وتيرة الهجمات العنيفة للمتطرفين في الفترة الأخيرة في دول غرب إفريقيا، الأمر الذي أدى إلى تشكيل مبادرة «أكرا» التي كانت تهدف إلى وقف مستوى عنف المتطرفين من قبل دول غرب إفريقيا ذات الصلة.
انتشار الأسلحة الخفيفة
وإحدى نتائج الصراع في السودان هي الانتشار المتوقع للأسلحة الصغيرة والخفيفة في كيانات الدول في شتى أنحاء المنطقة، الأمر الذي ربما سيؤدي إلى انتشار التجارة غير الشرعية للأسلحة بالنظر إلى تشكل ممرات تهريب جديدة. وتزداد هذه القضية تعقيداً بالنظر إلى الطبيعة الرخوة للحدود بين دول المنطقة، الأمر الذي يعكس كثرة الأماكن المتنازع عليها، كما هي الحال في دول مثل بوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، والنيجر، ونيجيريا.
وتعزز هذه المناطق المتنازع عليها مخاطر وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، مثل مجموعات التطرف العنيفة. وهناك احتمال انتشار المقاتلين الإرهابيين الأجانب، خصوصاً بالنظر إلى علاقات قوات الدعم السريع، الطرف الأساسي في الحرب السودانية، ويقودها الفريق محمد حمدان دقلو، والملقب بحميدتي مع مسلحي الجنجويد.
منطقة دارفور
ومعظم مسلحي الجنجويد هم من الميليشيات العربية السودانية التي تعمل بصورة خاصة في منطقة دارفور السودانية، وشرق تشاد. وقد ظلت نشطة حتى يومنا هذا، وثمة شائعات بأنها تعمل في مناطق أخرى. وتضاف المخاطر التي تشكلها الجنجويد إلى احتمال التعاون المتسارع عبر المنطقة بين منظمات التطرف العنيفة التي تتوافق أهدافها السياسية والأيديولوجية.
تدهور الوضع
وبالنظر إلى وقف إطلاق النار الهش الذي تم انتهاكه الآن مرات عدة، من المتوقع أن يتدهور الوضع في السودان خلال الأيام المقبلة. وإذا لم يتم احتواء الصراع فسيتحول وبسهولة إلى حرب إقليمية شاملة، وثمة وجود فعال لدول خارجية مثل الصين وفرنسا وروسيا ومصالح أيضاً في حوض تشاد ودول الساحل، ومن الممكن أن تنجرّ هذه الدول إلى الحرب أيضاً.
مجموعات شبه عسكرية
وإحدى القضايا التي تثير القلق على نحو خاص توسع وجود المجموعات شبه العسكرية مثل «فاغنر» الروسية، التي يعتقد أنها في فبراير الماضي وحده قامت بتجنيد المئات من المسلحين التشاديين، وعملت على إنشاء مركز تدريب يضم 300 مقاتل تشادي في جمهورية إفريقيا الوسطى التي تعاني الاضطرابات.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات عبر المنطقة، خصوصاً إذا قررت مجموعة «فاغنر» ضم مجموعات متمردة أخرى تسعى إلى نزع الشرعية عن سلطات الدولة، بهدف نهائي يتمثل في السيطرة على الدولة على المدى المتوسط.
من ناحية أخرى، فإن الوضع يمكن أن يشجع الحكام في دول حوض تشاد والساحل، الذين يسعون لضمان بقاء أنظمتهم عن طريق تعزيز الإجراءات التي تساعد على تقوية قبضتهم على السلطة، مثل السعي للحصول على مساعدة، خصوصاً من كيانات مثل مجموعة «فاغنر».
تطور الحرب في السودان
وفي الواقع فإن تطور الحرب في السودان لن يقتصر تأثيره على السودان وحده بل على دول أخرى، وإثر قرار فرنسا عام 2022 مغادرة مالي إلى النيجر، بالنظر إلى القيمة الاستراتيجية التي تقدمها هذه الدولة الأخيرة لفرنسا من أجل مواصلة تحقيق مصالحها في منطقة الساحل، فإن فرنسا لا تستطيع تحمل رؤية السودان وهو ينفجر أمامها. ويبدو الأمر برمته مثيراً للقلق بالنسبة لفرنسا، بالنظر إلى ضعف تشاد الواضح وهشاشتها أمام التهديدات الخارجية.
ويمكن قول الأمر ذاته بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجميعها لديها مصالح في المنطقة، ويحتاج هؤلاء اللاعبون على سبيل المثال إلى استقرار المنطقة، لضمان التجارة العالمية، خصوصاً على ضوء التهديدات القادمة من النفوذ الصيني والروسي.
الأمن الغذائي
وبات من المعروف أن روسيا مهتمة للغاية ببناء قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان، وهو ميناء في شرق السودان. وبالنظر إلى أن مجموعة «فاغنر» الروسية تواجه تهم تهريب الذهب إلى خارج السودان، فإن عدم الاستقرار في الدولة ليس من مصلحة اللاعبين الغربيين في السودان والمنطقة ككل.
ويعتبر حوض تشاد ومنطقة الساحل موطناً لأفقر شعوب العالم، وهو ما يعكس الانعدام الحاد في استقرار الأمن الغذائي، ويمكن أن تؤدي الأزمة المستفحلة في السودان إلى تفاقم الوضع الإنساني عبر هذه الدول. وبلا شك فإن ذلك سيضع مزيداً من الضغوط على الدول الأخرى في المنطقة.
تجنيد السكان الفقراء
وسيؤدي الهروب المستمر من مناطق الصراع إلى تفاقم النزوح الناجم عن الصراع المسلح عبر المنطقة، ما يوفر بيئة محتملة لمزيد من تجنيد السكان الفقراء من قبل منظمات التطرف والعنف.
وبالطبع فإن إيجاد نهاية للصراع في السودان سيتطلب عملية سلام خالية من المواجهات العسكرية.
ويجب على كلا الطرفين المتقاتلين الالتزام بالإطار الموجود حالياً للاتفاق، وإن كانت تبدو هذه المهمة شاقة إلا أنها ليست مستحيلة. ولا ننسى أن مواصلة القتال لن يؤدي إلا إلى مزيد من انعدام الاستقرار الإقليمي، وتراجع المكتسبات الديمقراطية، وتعريض مناطق شاسعة من إفريقيا للخطر.
• ثمة احتمال قوي بأن الحرب يمكن أن يكون لها مفعول حجارة الدومينو عبر دول حوض تشاد ودول الساحل المضطربة أصلاً.
• إحدى نتائج الصراع في السودان هي الانتشار المتوقع للأسلحة الصغيرة والخفيفة في كيانات الدول في شتى أنحاء المنطقة، الأمر الذي ربما سيؤدي إلى انتشار التجارة غير الشرعية للأسلحة بالنظر إلى تشكل ممرات تهريب جديدة.
فولهانمي أينا ■ باحث متخصص في الدراسات الإفريقية