عاش الملياردير البريطاني هاميش هاردينغ المقيم في دبي، وأحد ضحايا الغواصة «تيتان» التي أعلن تحطمها في أعماق المحيط الأطلسي، حياة مليئة بالحركة والنشاط انطلاقاً من إمارة دبي التي اختارها مكاناً للإقامة وتأسيس شركة ناجحة في مجال الطيران، وخاض مغامرات عدة لا يقل بعضها في الإثارة والخطورة عن محطته الأخيرة بالقرب من سفينة «تايتانيك» الشهيرة.
ووصفت أسرة المغامر الأشهر على متن الرحلة المنكوبة فقيدها البالغ من العمر 58 عاماً بأنه كان رائداً ومرشداً وملهماً ومسانداً، وأسطورة حية حقيقية، مؤكدة أنه كان رب عائلة محباً للجميع، وزوجاً وأباً مثالياً.
وأشارت الأسرة التي كانت تقيم معه جزئياً في الإمارات إلى أنه كان رجلاً كريماً ومغامراً شغوفاً، عاش حياته لأسرته وعمله، ومغامرته التالية، لافتة إلى أن ما أنجزه في حياته كان كبيراً، وعزاء العائلة في أنه مات أثناء تحقيق جزء من النشاط الذي كان مهووساً به.
تعاطف عالمي
وأثارت الحادثة المؤسفة للغواصة تيتان حالة من الاهتمام والتعاطف عالمياً، وحظي هاردينغ باهتمام كبير بين رواد الـ«سوشيال ميديا»، كونه المغامر الأبرز بين الضحايا، وكشف مقربون منه عن جانب من شخصيته، أبرزها حرصه على المشاركة في قضايا إنسانية، مثل مكافحة مرض الملاريا، وإعادة توطين الحيوانات المهددة بالانقراض.
ومن أبرز ملامح حياته أنه رجل أعمال بريطاني وطيار ومستكشف وسائح فضاء مقيم في دولة الإمارات، ومؤسس مجموعة «أكشن جروب»، وكان رئيساً لشركة «أكشن أفياشن، وهي شركة وساطة طائرات دولية يقع مقرها الرئيس في دبي.
سيرة
ولد جورج هاميش هاردينغ في هامرسميث بلندن في 24 يونيو عام 1964، وتلقى تعليمه في مدرسة كينجز، وهي مدرسة نهارية مستقلة في مدينة جلوستر جنوب غرب إنجلترا، تليها كلية بيمبروك بجامعة كامبريدج العريقة.
البداية العملية لهاميش هاردينغ
عمل هاردينغ في عام 2017 مع شركة السياحة في أنتاركتيكا «وايت ديزرت»، لتقديم أول خدمة نفاثة تجارية منتظمة إلى القطب الجنوبي باستخدام طائرة «غلف ستريم G550»، التي هبطت على مدرج وولفز فانغ، وهو مدرج جليدي، كما زار القطب الجنوبي مرات عدة.
وخلال الفترة من 9 إلى 11 يوليو 2019 في إطار الاحتفال بالذكرى الـ50 لهبوط مركبة أبولو 11 على سطح القمر، قاد هاردينغ فريقاً من الطيارين سجلوا رقماً قياسياً في موسوعة غينيس للطيران حول الأرض عبر القطبين الشمالي والجنوبي خلال 46 ساعة و40 دقيقة.
وواصل هاردينغ مغامراته في الخامس من مارس 2021، حين غاص إلى أعمق نقطة في خندق ماريانا بالمحيط الهادئ تشالنجر ديب على عمق 11 ألف متر أو 36 ألف قدم في غواصة لشخصين، مسجلاً الأرقام القياسية لأطول فترة في عمق المحيط.
وطار هاردينغ إلى الفضاء كجزء من مهمة Blue Origin NS-21 شبه المدارية في الرابع من يونيو 2022 في رحلة الفضاء الخامسة لصاروخ «نيو شيبرد».
وفي سبتمبر 2022 قدمت شركة الطيران الخاصة به طائرة بوينغ 747-400 مخصصة لنقل ثمانية فهود برية من ناميبيا إلى الهند لإطلاق مشروع إعادة إدخال الفهد إلى الهند التابع للحكومة الهندية وصندوق حفظ الفهود في ناميبيا، وهي بمثابة رحلة استكشافية للحفاظ على هذه الحيوانات التي انقرضت في الهند منذ أكثر من 66 عاماً.
إنجازات كبيرة
وتضمنت مسيرة المغامر البارز سجلاً من الإنجازات، فانضم في أغسطس من عام 2022، كما كان عضواً في مجلس أمناء نادي المستكشفين ورئيساً لفرع الشرق الأوسط.
يذكر أن هاردينغ كان أحد ضحايا الغواصة «تيتان» التي كانت في رحلة استثنائية لاستكشاف حطام السفينة «تايتانيك»، قبل أن تفقد الاتصال مع السفينة المزودة لها فوق الماء، وانطلقت مهمة بحث دولية عنها ضمت فرقاً متخصصة من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا، وأعلنت وفاة ركاب الغواصة الأثرياء الأربعة أول من أمس، بعد رصد حطام الغواصة على مسافة قصيرة من السفينة العملاقة المنكوبة.
ونشر هاردينغ رسالته الأخيرة عبر حسابه على تطبيق «إنستغرام» قائلاً: «نظراً لأسوأ شتاء في نيوفاوندلاند (الساحل الذي ترقد قبالته سفينة تايتانيك) منذ 40 عاماً، فمن المحتمل أن تكون هذه المهمة هي المهمة الأولى والوحيدة المأهولة إلى تايتانيك في عام 2023.. سنحاول الغوص غداً». لكنه لم يدرك أنها ستكون مغامرته الأخيرة.
انفجار داخلي
وأعلن خفر السواحل الأميركي، أول من أمس الخميس، العثور على حطام الغواصة التي كانت تقل خمسة أشخاص في رحلة إلى السفينة تايتانيك التي غرقت قبل أكثر من 100 عام، وأن دمارها سببه «انفجار داخلي كارثي» أودى بحياة جميع من كانوا على متنها، لتنتهي بذلك عملية بحث متعددة الجنسيات استمرت خمسة أيام.
وقال الأدميرال في خفر السواحل الأميركي جون موجر للصحافيين، إن مركبة آلية يمكنها الغوص في الأعماق أُرسلت من سفينة كندية اكتشفت «حقل حطام» من الغواصة تيتان في قاع المحيط على بعد نحو 488 متراً من مقدمة السفينة «تايتانيك»، وعلى عمق أربعة كيلومترات من سطح الماء في زاوية نائية من شمال المحيط الأطلسي. وانطلقت الغواصة تيتان، التي تشغلها شركة «أوشن جيت إكسبيديشنز» ومقرها الولايات المتحدة، في رحلة مدتها ساعتان صباح يوم الأحد الماضي، لكنها فقدت الاتصال مع سفينة الدعم بعد مضي نحو ساعة و45 دقيقة.
وأعلن مسؤولون في خفر السواحل العثور على خمسة أجزاء كبيرة من حطام الغواصة تيتان التي يبلغ طولها 6.7 أمتار في حقل الحطام، بينها مخروط الذيل وقسمان من بدن الغواصة. ولم يرد ذكر لما إذا كان هناك رفات بشري قد شوهد في الموقع. وأصدرت شركة «أوشن جيت» بياناً قالت فيه إنه ما من ناجين بين الرجال الخمسة الذين كانوا على متن «تيتان»، منهم مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي ستوكتون راش، الذي كان يقود الغواصة.
والأربعة الآخرون هم: الملياردير والمستكشف البريطاني هاميش هاردينغ (58 عاماً)، ورجل الأعمال من أصل باكستاني شاه زاده داوود (48 عاماً)، وابنه سليمان (19 عاماً)، والاثنان مواطنان بريطانيان، والمستكشف وعالم المحيطات الفرنسي بول هنري نارجوليه (77 عاماً) الذي زار حطام «تايتانيك» عشرات المرات.
وقالت الشركة: «هؤلاء الرجال كانوا مستكشفين حقيقيين يتشاركون روح المغامرة المميزة، والشغف الشديد باستكشاف محيطات العالم وحمايتها».
ولكن موقع حقل الحطام القريب نسبياً من السفينة تايتانيك وتوقيت آخر اتصال مع الغواصة يشيران على ما يبدو إلى حدوث الكارثة بالقرب من نهاية رحلة الهبوط.
أسئلة حول السلامة
يرقد حطام «تايتانيك» التي ارتطمت بجبل جليدي وغرقت في أول رحلة لها عام 1912 متسببة في غرق أكثر من 1500 على بعد 1450 كيلومتراً تقريباً شرق مدينة كيب كود بولاية ماساتشوستس الأميركية، و640 كيلومتراً جنوب مدينة سانت جونز في مقاطعة نيوفاونلاند بكندا.
وتبلغ كلفة الرحلة السياحية الاستكشافية إلى حطام «تايتانيك» التي تنظمها «أوشن جيت» منذ 2021، 250 ألف دولار للشخص الواحد، وذلك بحسب الموقع الإلكتروني للشركة.
وأثيرت أسئلة حول سلامة الغواصة «تيتان» عام 2018 خلال ندوة لخبراء صناعة الغواصات، وفي دعوى قضائية رفعها رئيس العمليات البحرية السابق في «أوشن جيت» وتمت تسويتها في وقت لاحق من ذلك العام.
• توقيت آخر اتصال مع الغواصة يشير على ما يبدو إلى حدوث الكارثة بالقرب من نهاية رحلة الهبوط.
• أعلن مسؤولون في خفر السواحل العثور على خمسة أجزاء كبيرة من حطام الغواصة «تيتان» التي يبلغ طولها 6.7 أمتار.