في أحد فروع المعهد الوطني العالي للموسيقى قرب بيروت، تبدو قاعات التدريس مقفرة ويكسو الغبار مفاتيح الآلات الموسيقية المتروكة بعدما عرقلت الأزمة الاقتصادية في لبنان حتى تعليم الموسيقى. وفيما فرض تفشي وباء «كوفيد-19» إقفال المدارس والمعاهد حول العالم لأشهر عدة، إلا أنّ محنة مدرّسي الموسيقى المتعاقدين مع المعهد لم تنته مع الحدّ من انتشار الجائحة، إذ فاقمتها أزمة تدنّت معها أجورهم وانعدمت قدرتهم على توفير أبسط احتياجاتهم وأحياناً كلفة النقل.
ويقول توفيق كرباج، الذي يدرّس في المعهد منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي ويعطي دروساً عبر الإنترنت منذ أشهر: «لا يشعر المرء بالراحة عندما يبلغ 65 عاماً ولايزال يعيش على نفقة عائلته.. إنه لأمر مضحك».
ويضيف «لدي دعم عائلي ومازال بإمكاني السير قدماً، لكنني لا أعتقد أن كل شخص يحظى بذلك».
وبعدما كان يتقاضى أجراً يمكّنه من توفير احتياجاته وضمان مستوى معيشي لائق، وجد هذا المدرّس نفسه على وقع انهيار صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، يتقاضى أجراً يبلغ قرابة 70 دولاراً.
وعلى الرغم من أن ما يتقاضاه لا يكفي لتسديد فاتورة المولد الكهربائي، مع انقطاع كهرباء التي توفرها مؤسسة الدولة لساعات طويلة، لكن ذلك لم يحل دون مواصلته تدريس طلابه عبر الإنترنت، متحدياً خدمة الاتصالات السيئة في البلاد.
ويوضح أن تعليم الموسيقى بالنسبة له ليس وظيفة لكنه «شيء تفعله لأنك تحبّه ولا يمكن العيش من دونه»، في حين قدّم عدد من زملائه استقالاتهم.
ويُعد المعهد الوطني العالي للموسيقى أو الكونسرفتوار، وهو مؤسسة رسمية، صرحاً ثقافياً مرموقاً لتعليم الموسيقى في البلاد. ويستقطب آلاف الطلاب في 17 فرعاً موزّعة في مناطق عدّة.
وفي محاولة لدعم أساتذة الموسيقى وقدرتهم على الاستمرار، بدأ مدرسون وطلاب تنظيم أمسيات موسيقية تتيح منبراً للعازفين وتسلط الضوء على الواقع المزري.
وتقول منظمة المبادرة السوبرانو غادة غانم على هامش إحدى الحفلات «أنا هنا اليوم للوقوف مع زملائي غير السعداء بالطريقة التي نُعامل بها»، متحدثة عن زملاء غيّروا أماكن سكنهم أو باعوا سياراتهم ليتمكنوا من الصمود أمام الوضع المعيشي المتردي.
ويُستثمر ريع الحفلات في تنظيم حفلات مماثلة إضافية أو يُوزّع على المشاركين فيها وفق غانم، التي كانت تلميذة في الكونسرفتوار خلال سنوات الحرب الأهلية.
وتضيف قبل مشاركتها في ثانية حفلات المبادرة بعنوان «بدنا نضل»: «لنعالج مشاكلنا بمواهبنا» لأن «الاكتئاب سيهاجمنا إذا جلسنا ولم نحرّك ساكناً».