وسط أجواء من السعادة، تحتفل دولة الإمارات بمناسبة عيد الفطر السعيد، إذ يخرج المصلون في صبيحة هذا اليوم إلى الجوامع والمساجد والمصليات لتأدية صلاة العيد، مسبحين وشاكرين الله على أن منّ عليهم بإتمام صيام الشهر الفضيل، شهر الرحمة والعتق من النار، سائلين الله أن يتقبل صيامهم وصالح أعمالهم، وأن يعمّ السلام العالم.
وتزخر الإمارات بالعديد من التقاليد الأصيلة التي تجسد الاحتفال بالأعياد، باعتبارها مناسبات تجمع بين الأجواء الروحانية والعادات الاجتماعية المتوارثة جيلاً بعد جيل.
ومع مرور الزمن، تأثرت هذه العادات بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، إذ شهد العالم تطوراً تكنولوجياً ورقمياً هائلاً خلال العقود الأخيرة، وأصبحت الإمارات في مقدمة تصنيف «جاهزية التقنيات الرائدة»، وأحرزت عدداً من المراكز الأولى عالمياً في مؤشرات ومقاييس الحياة الرقمية.
تغير كبير
وحول مدى تأثير التقنيات الرقمية في موروث الأعياد ومظاهر الاحتفال، قال مدير عام جمعية الإمارات للتنمية الاجتماعية، خلف سالم بن عنبر: «على مر العقود، شهدت مظاهر الاحتفال بالأعياد تحولات ملحوظة من جراء التغيرات الكثيرة التي أثرت في المجتمع، إذ أصبح لمواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية التأثير الأكبر على تفاصيل حياتنا اليومية، ولامس تأثيرها الواسع مظاهر الاحتفال بالأعياد والقيم المتوارثة منذ القدم، ليتلاشى بعضها وتبرز أخرى».
وأضاف: «دولة الإمارات جزء من المجتمع الدولي، وليست استثناء من هذه التطورات التكنولوجية أو بعيدة عن الممارسات الرقمية، والتغير في المجتمعات وأنماط السلوك هو سُنّة الحياة، فالتغير هو الثابت الوحيد في هذا العالم».
وتابع: «قبل بضعة عقود، كانت الأعياد في الإمارات مناسبة تجمع بين أفراد المجتمع، فتكثر اللقاءات العائلية والتجمعات الأسرية خلالها، إلا أن التكنولوجيا الاجتماعية والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي أثر على تلك الزيارات، وهي العادة الأهم والأبرز خلال الأعياد، إذ باتت تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل (فيس بوك، ومنصة إكس، وإنستغرام) بديلاً عنها، حيث يهنئ الناس بعضهم بعضاً عن طريقها، حتى لا يتكلفوا عناء الزيارة ويتجنبوا ضياع الوقت».
تجارب مريحة
واستطرد مدير عام جمعية الإمارات للتنمية الاجتماعية: «لا تقف التغيرات عند هذا الحد، فحتى التسوق لشراء مستلزمات وملابس الأعياد أصبح يعتمد بشكل أساسي على المتاجر الإلكترونية التي تقدم تجربة تسوق مريحة وسريعة للزبائن، إذ يمكن لأي شخص شراء أي منتج بلمسة زر واحدة، رغم أن التسوق الإلكتروني يفتقد المتعة الحقيقية التي كان يشعر بها الشباب والأطفال عند الذهاب إلى السوق واختيار ما تلمسه أيديهم وتراه أعينهم من ملابس وألعاب مختلفة».
وأضاف: «تغيرت فرحة الأطفال أيضاً بملابسهم الجديدة وحرصهم على الذهاب للأقارب والأصدقاء وإظهار سعادتهم بها أمامهم، فالزيارات باتت محدودة، وتصوير الملابس وإرسالها عبر منصات التواصل الاجتماعي باتا الخيار الأسهل والأكثر رواجاً».
سمة أساسية
من جانبها، قالت رئيس مجلس إدارة جمعية الاجتماعيين، الدكتورة رقية الريسي، إن «طريقة الاحتفال بالأعياد تغيرت، وأصبح التوثيق الرقمي عبر الهواتف الذكية ووسائط التواصل الاجتماعي سمة أساسية لأي احتفال، كما أن بعض عادات الموروث، مثل الزيارات والمعايدات الشخصية المليئة بالود والمحبة قلت، وأصبحت تفتقر إلى المعنى والبعد الإنساني بعد انتشار المعايدات الإلكترونية عبر تطبيقات (التواصل الاجتماعي)». وأكدت أن الأعياد كانت تمثل فرصة لجمع المتخاصمين وتصفية النفوس وتعزيز صلة الرحم وتقوية الروابط الأسرية، لكن وسائل التكنولوجيا، اليوم، زادت من الفجوة الاجتماعية، إذ حلت المعايدات الرقمية محل التواصل المباشر والحضور الشخصي في المناسبات.
وأضافت: «يجب علينا أن نستخدم التقنيات الرقمية بحكمة، وأن نجعلها وسيلة لتعزيز التواصل الإنساني وليس بديلاً عنه، إذ لا يمكن أن تعوض مكالمة فيديو زيارة الأقارب والأصدقاء، كما أن لتبادل الهدايا من خلال الحضور الشخصي طعماً آخر».
وتابعت الدكتورة رقية: «بنت الإمارات علاقات وروابط وثيقة مع نحو 191 دولة في العالم، ما أوجد جاليات إماراتية تعمل وتقيم في الخارج، في حين تجتمع على أرضها الطيبة أكثر من 200 جنسية من الثقافات والأديان والعرقيات المختلفة حول العالم، ما يجعل للتواصل عن بعد دوراً إيجابياً ومؤثراً في حياة كل مواطن ومقيم، حيث يمكن من خلاله مشاركة لحظات الفرح مع الأهل والأصدقاء في أي مكان في العالم، وتبادل التهاني والتبريكات بسرعة وسهولة».
واستطردت: «قد يكون العالم الافتراضي حلاً مناسباً للمقيمين الذين لا يستطيعون قضاء الأعياد مع عائلاتهم، فمن خلال مكالمات الفيديو والرسائل الصوتية، يمكنهم مشاركة الفرحة والتواصل مع أحبائهم»، لافتة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر انتشاراً خصوصاً بين الأجيال الجديدة، وتربط ما بين نحو نصف سكان الكرة الأرضية، وتمكن الناس من نقل أصواتهم والتحدث الفوري إلى الطرف الآخر، بغض النظر عن المسافات الجغرافية. وشددت على ضرورة تطويع التكنولوجيا للاستفادة منها في نشر المعرفة حول الأعياد وتعاليمها وقيمها.
تحقيق التوازن
قالت رئيس مجلس إدارة جمعية الاجتماعيين، الدكتورة رقية الريسي: «لا شك أن التكنولوجيا الرقمية أثرت على العادات والتقاليد، بينما ساعدت في تسهيل الحياة وتعزيز التواصل، لذلك من المهم تحقيق التوازن المطلوب للاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على الهوية الوطنية والموروث الثقافي».
خلف بن عنبر:
. الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي أثر على الزيارات، وهي العادة الأهم والأبرز خلال الأعياد.
الدكتورة رقية الريسي:
. يجب تطويع التكنولوجيا للاستفادة منها في نشر المعرفة حول الأعياد وتعاليمها وقيمها.
. الإمارات مازالت تزخر بالعديد من التقاليد والعادات الأصيلة التي تجسد الاحتفال بالأعياد.