أكد خبراء دوليون وأكاديميون وقيادات شركات عالمية أن مستقبل التجارة العالمية سيعتمد بشكل رئيس على مدى كفاءة توظيف التكنولوجيا وتطبيقاتها واستخداماتها في تسريع حركة السلع، وتلبية احتياجات الأسواق، ومواكبة توقعات المتعاملين، وضمان استدامة وكفاءة سلاسل التوريد بمختلف مراحلها.
جاء ذلك، في جلسة بعنوان “التجارة في زمن الثورة الصناعية الرابعة” ضمن أعمال مجالس المستقبل العالمية 2023 في دبي، التي تم تنظيمها بالشراكة بين حكومة دولة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي بمشاركة نحو 600 قيادي ومسؤول من القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية والخبراء ومستشرفي المستقبل.
وبحث المشاركون في الجلسة الاستراتيجية أسئلة محورية مثل دور الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها في تعزيز إمكانية تتبع مسارات وحركة السلع في عمليات التوريد، ورفع مستويات الشفافية وكفاءة العمليات التجارية، وتحسين ممرات التجارة الدولية، وتطوير آليات مراقبة المخزون، وأجمعوا على قدرة التكنولوجيا على إحداث تحولات جذرية في التجارة العالمية، وتعزيز الفوائد والكفاءة والفعالية، وابتكار نماذج جديدة للتجارة المعززة بالتكنولوجيا، وتطوير مرونة عمل الحكومات في عالم سريع التغير وترسيخ جاهزيتها لاستدامة التنمية العادلة والشاملة.
التجارة الحرة
وأكدت منى حداد المديرة العالمية لقطاع التجارة والاستثمار والتنافسية بالبنك الدولي، أن التجارة مكّنت العديد من الدول النامية من تحقيق النمو وتوفير الوظائف، مؤكدة أهمية تعزيز ممارسات التجارة الحرة التي تفتح الأسواق أمام الاقتصادات والدول.
ولفتت حداد إلى أن صادرات الخدمات الرقمية تشكل 20% من إجمالي الصادرات العالمية، وهي تحقق منذ عام 2005 نمواً سنوياً بنسبة 8% سنوياً، بالتزامن مع دخول التكنولوجيا بقوة في قطاعات التجارة العالمية، مشيرة إلى أن الدول النامية المصدّرة استفادت من حرية التجارة في تطوير قطاعاتها الاقتصادية والمكننة والأتمتة عبر استخدام من حلول التكنولوجيا غير المكلفة المتاحة اليوم.
وختمت حداد بالقول إن البنك الدولي يعمل مع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمنتجين الحريصين على الالتزام بمعايير الحد من الانبعاثات وعدم تجريف الغابات وغيرها من المعايير البيئية، ويحاول توفير خيارات تمويل متنوعة، مع وضع أطر امتثال ممكنة التطبيق، مشددة على أهمية التعاون بين الدول النامية والمتقدمة، وداعية إلى إشراك الاقتصادات النامية بشكل فاعل، خاصة في دول جنوب الصحراء في أفريقيا حيث تتاح تكنولوجيا الجيل الرابع لـ54% فقط من السكان، وحيث 22% فقط قادرون على استخدام الإنترنت عبر الأجهزة الذكية لإنجاز الأعمال التجارية.
قدرات مرنة
من جهته، أكد جاجيت سينغ سراي مدير الأبحاث ورئيس مركز التصنيع الدولي في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، أن تأثر سلاسل الإمداد والتوريد بالأوضاع العالمية بفعل جائحة كوفيد-19 أثر على المخزون والعمليات في كامل سلسلة القيمة. لكنه لفت إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت ثورة تكنولوجية غير مسبوقة من حيث حجمها وسرعتها وقدرتها على تتبع السلع في كل مراحل التوريد، وأصبحن سلاسل الإمداد أكثر مرونة وسرعة بالاستفادة من التكنولوجيا وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.
وقال سراي إن بعض الأطر التنظيمية الحديثة لحركة التجارة العالمية يتم تطويرها بمعزل عن بقية دول العالم بما يهدد سلاسل التوريد، داعياً لوضع استراتيجيات ممكنة في هذا المجال، ومشيراً إلى أن مناطق حيوية مثل الشرق الأوسط هي بيئة واعدة لمثل هذا المسار.
ميدان عمل تعاوني
في السياق ذاته، قالت سارة ثورن مدير أول الشؤون الحكومية الدولية لدى “وولمارات”، إن تعزيز مرونة سلاسل التوريد يتطلب تنويع الموردين عبر العديد من دول العالم، وأكدت أن سلاسل التوريد ليست هشة أو فاشلة لكن غياب الاستعداد والجاهزية هو ما تسبب بندرة الإمدادات خلال فترة جائحة كوفيد-19، لافتة إلى ضرورة وضع سياسات تجارية ذكية تشرك كل الأطراف وأصحاب المصلحة في تطويرها.
وأشارت ثورن إلى أهمية أن تكون سلاسل التوريد ميدان عمل تعاوني دولي لتعزيز التكيف والمرونة والكفاءة، مؤكدة أن أطر حوكمة مصادر المواد والسلع يجب آلا تكون انفعالية، بل تفاعلية واستباقية، بحيث يمكننا مستقبلاً استخدام تكنولوجيا المصدر المفتوح لتتبع بيانات السلع والتأكد من أنها خاضعة لمعايير التجارة العادلة.
التقييم المستمر
من جهتها، قالت لين كيوك، زميل أول في “حوار شانغريلا” لأمن آسيا والمحيط الهادئ بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (آسيا)، إن مشهد التجارة العالمية تأثر بجائحة كوفيد والأحداث الدولية الأخيرة، والضغط على قطاع الطاقة وارتفاع أسعارها، داعيةً إلى التركيز أكثر على التقييم المعمق والمستمر للتحولات الجيوسياسية من أجل مستقبل التجارة الدولية.
وأضافت أن التجارة والسياسة اليوم متداخلتان بشكل كبير، خاصة مع خشية بعض الحكومات بأن تكون معتمدة كلياً على مصدر وحيد أو مصادر محدودة لاستيراد صنف معين من احتياجاتها، وتطرقت إلى التنافش الكبير بين القوى الاقتصادية العالمية وما سيحمله من آثار في حاضر ومستقبل التجارة العالمية.
وقالت كيوك إن هناك تكاملاً بين قطاعات التجارة وأمن الدول اليوم، وهو ما يتسبب بوضعها الضوابط الجمركية على الواردات وممارسة الحمائية التجارية ويهدد مرونة سلاسل التوريد، وخاصة في مجال التقنيات الناشئة.
يشار إلى أن مجالس المستقبل العالمية عقدت بمشاركة أكثر من 600 خبير عالمي ومفكر ضمن 30 مجلساً، إلى جانب مسؤولين حكوميين وممثلين عن المنظمات الدولية والأكاديميين، في ملتقى سنوي يهدف لوضع خطط المستقبل والتي تحدد توجهات اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي.