خلال العامين الماضيين، أفرزت وسائل التواصل الاجتماعي تحديات سياسية عابرة للحدود، وأصبحت ساحة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار المضللة. هذه الظاهرة لم تسلم منها الدول العربية، بما في ذلك الإمارات، التي واجهت حملات ممنهجة تهدف إلى تشويه سمعتها وتقويض استقرارها. يركز هذا المقال على تحليل هذه التحديات، وكيفية تأثيرها على المشهد السياسي والإقليمي، والجهود المبذولة لمواجهتها.
تحديات سياسية عابرة للحدود في فضاء رقمي مفتوح
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أدوات قوية للتأثير في الرأي العام، ولكنها في الوقت نفسه، فتحت الباب أمام قوى معادية لنشر الأكاذيب والتضليل. حملات منظمة، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، تُعرف بـ«الذباب الإلكتروني»، تعمل على زرع الفتنة والتفرقة بين الشعوب، والنيل من الدول المستقرة. هذه الحملات لا تقتصر على نشر الشائعات، بل تمتد إلى تزييف الحقائق وقلب المفاهيم، بهدف إثارة البلبلة وتقويض الثقة في المؤسسات الحكومية.
دور الذكاء الاصطناعي في تفاقم المشكلة
الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً محورياً في تضخيم هذه الحملات، من خلال إنشاء حسابات وهمية، وتوليد محتوى مضلل، وتوزيع الأخبار الكاذبة بسرعة كبيرة. تقنيات مثل «التزييف العميق» (Deepfake) تسمح بإنشاء مقاطع فيديو وصوتيات زائفة تبدو واقعية للغاية، مما يجعل من الصعب على الجمهور العادي التمييز بين الحقيقة والخيال. هذا التطور التكنولوجي يزيد من خطورة التهديد، ويتطلب جهوداً مضاعفة لمواجهته.
استهداف الدول العربية والإمارات في قلب العاصفة
لم تسلم الدول العربية، بما في ذلك الإمارات، من هذه الحملات الممنهجة. تستهدف هذه الحملات تشويه مواقف الدول العربية الثابتة من القضايا العربية والإسلامية، خاصة خلال أحداث غزة والسودان. الإمارات، بحكم دورها الإقليمي البارز ونجاحها السياسي والاقتصادي، كانت هدفاً رئيسياً لهذه الحملات.
حملات التشويه ضد الإمارات في السودان وغزة
واجهت الإمارات محاولات للتشكيك في مواقفها تجاه الأشقاء في السودان، وسعيها الحثيث نحو وقف الحرب الدائرة هناك. كما تعرضت لانتقادات واتهامات كاذبة بشأن دعمها للقضية الفلسطينية، خاصة خلال أحداث غزة. هذه الحملات تهدف إلى تقويض مصداقية الإمارات، وإضعاف دورها الإقليمي والدولي. بالإضافة إلى ذلك، واجهت دول أخرى مثل مصر والسعودية وقطر والأردن حملات مماثلة للتشكيك في مواقفها السياسية.
تعزيز الوعي المجتمعي والتعاون العربي
يؤكد الخبراء والمتخصصون على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي والتعاون العربي لمواجهة هذه الحملات الممنهجة. يجب على الأفراد والمؤسسات أن يكونوا حذرين من المعلومات التي يتلقونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتحقق من مصادرها قبل نشرها. كما يجب على الدول العربية أن تتعاون في تبادل المعلومات والخبرات، وتنسيق الجهود لمكافحة التضليل الإعلامي.
دور المصادر الرسمية ووسائل الإعلام الوطنية
أكد عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام، على أهمية الاعتماد على المصادر الرسمية والمنصات الوطنية كمصدر موثوق للمعلومات. وأشار إلى أن المجتمع الإماراتي آمن بالقيم قبل القوانين، وتربى أبناؤه على أن الكلمة مسؤولية، وأن المصداقية شرف لا يساوم عليه.
حرب جديدة في المشهد الرقمي
يرى الكاتب والمحلل السياسي عبدالعزيز المعمري أننا أمام حرب من نوع جديد، تُستخدم فيها الشائعة والمقطع المفبرك والحسابات الوهمية. هذه الحملات ليست مجرد ردود فعل عفوية، بل عمليات ممنهجة تعمل عليها جهات خارجية تسعى إلى ضرب الدول التي نجحت في بناء نموذج تنموي حقيقي ومستقر.
استراتيجية التشويه: قصة كاذبة تتحول إلى قناعة
تعتمد استراتيجية التشويه على صناعة قصة كاذبة، واختيار صورة معينة، وإطلاق وسم معين، ثم ترك الأمر للجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي لتلتهم الطُعم. في لحظة، يتحول الكذب إلى قناعة، والافتراء إلى رأي، ويتحول الحساب الوهمي إلى مصدر موثوق.
مبادرات لمكافحة الأخبار الكاذبة
ظهرت خلال السنوات الماضية مبادرات مستقلة في دول عربية عدة، لإنشاء منصات إلكترونية لمواجهة ظاهرة «Fake News»، وكشف المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. من بين هذه المبادرات «هيئة مكافحة الإشاعات» في السعودية، ومنصة «فتبينوا» في الأردن، ومبادرة «متصدقش» في مصر.
التدابير التشريعية في دولة الإمارات
اتخذت دولة الإمارات تدابير تشريعية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، بما في ذلك المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021. يهدف هذا القانون إلى تنظيم الفضاء الرقمي، وتحديد المسؤوليات القانونية للأفراد والمؤسسات، ومعاقبة كل من ينشر معلومات مضللة أو يثير الفتنة.
في الختام، يمثل التحدي الذي تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار الإقليمي. مواجهة هذا التحدي تتطلب جهوداً متضافرة من الأفراد والمؤسسات والحكومات، وتعزيز الوعي المجتمعي، والتعاون العربي، وتطبيق القوانين والتشريعات اللازمة. إن معركة الوعي هي المعركة الأهم في هذا العصر، ومن يربح هذه المعركة يربح المستقبل.
