حذر مختصون اجتماعيون من غياب الوقت النوعي عن أفراد العائلة، وتلاشي لغة الحوار، وانتشار حالة الخرس الأسري، الناجمة عن الوقت الطويل الذي يقضيه كثير منا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنعدم لغة الحوار، ويستعان بالوجوه التعبيرية (الإيموجي) عند الحاجة إلى إظهار نوع معين من المشاعر، ما يؤثر في الروابط الأسرية، ويزيد من حالات الطلاق والتفكك الأسري، وتعرض الأبناء لمشكلات نفسية وسلوكية.
وقالوا إن كثيرين منا يقضون أوقاتا طويلة مع أفراد أسرهم داخل جدران المنزل، لكنهم لا يسألون أنفسهم عما إذا كان ما يقضونه هو وقت نوعي، أم مجرد ساعات تنقضي وهم جالسون أمام شاشات هواتفهم منشغلين بعالمهم الرقمي.
وتفصيلاً، حذر مختصون اجتماعيون من انقطاع التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، وتنامي ما يسمى بـ«ظاهرة الخرس الأسري»، بسبب اعتمادهم الكلي، تقريباً، على الأجهزة الذكية، حيث يستعان بوجه ضاحك، أو غاضب، أو محب، للتعبير عن حالاتهم الشعورية، حتى إذا لم يكن وجه الشخص الذي وضع الوجه الضاحك – مثلاً – ضاحكاً فعلاً، في الواقع، مشددين على أن طبيعة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أبنائهما أكثر أهمية من طول هذا الوقت، وأن حالة الوالدين النفسية خلال الوقت الذي يمضيانه مع أبنائهما تنعكس على الأبناء وصحتهم النفسية.
وأكد أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية، الدكتور سيف راشد الجابري، أن العديد من المشكلات التي تواجه الأسرة والمجتمع حالياً أدت إلى تراجع واختفاء ثقافة الحوار والتواصل بين الوالدين وأبنائهما، واستبدالها بالاهتمامات الفردية، وخلق عالم موازٍ لكل فرد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الجابري: «أظهرت الظروف الحالية للأسر ما يسمى بالعالم الموازي أو الافتراضي، وهو اقتران الإنسان بأصدقاء افتراضيين خارج نطاق الأسرة والمعارف، ما تسبب في مشكلة اجتماعية باتت تعرف بـ(الخرس الأسري)، نتيجة انشغال كل فرد بالتواصل الصامت مع الأصدقاء الافتراضيين. وقد خرج الخرس الأسري من المنازل إلى أي تجمع أسري، حيث بات من المعتاد مشاهدة أفراد الأسرة الواحدة في المطاعم وأماكن تجمع العائلات لا يتكلمون ولا يتواصلون، وكل ينظر في هاتفه، ومشغول مع نفسه، ولا يرون بعضهم».
وأضاف: «خرج الخرس المنزلي من داخل البيت إلى خارجه، وتسبب في التباعد الاجتماعي الذي أثر في العلاقات الزوجية، وتسبب في حدوث مشكلات كانت نهايتها المحاكم والطلاق. ولذا، يجب طرق باب الاهتمام والتناصح للتحرر من الموجة الشديدة، الرامية إلى تحويل الأزواج من الاهتمام بأسرهم إلى الاهتمام بهواتفهم».
وأكد الاختصاصيون الاجتماعيون، أحمد صالح ونورة البلوشي ومنال خليفة، أن التنشئة والتربية السليمة حاجز صد للظواهر الاجتماعية السلبية، داعين إلى شن حملات توعية على مستوى المجتمع للتذكير بأهمية الحوار الأسري، وقضاء وقت نوعي، مع إظهار خطورة وجود أفراد الأسرة داخل منزل واحد دون أي حوار مشترك، بحيث يصبح لكل منهم عالمه السري خلف شاشة هاتفه.
وأشاروا إلى أن «العديد من الدراسات أثبتت أن الاستماع الفعال للأبناء يعتبر من أكثر العوامل حماية لهم من السلوكات الخطرة، مثل التنمر والعنف»، مشيرين إلى أن «الدراسات أكدت أهمية استماع الأبوين في تعزيز النمو السليم للأبناء، وصقل شخصياتهم، وتعزيز ثقتهم بذاتهم».
واقترح مستشارون أسريون ونفسيون، خالد حسيب، وشروق أحمد، وحمدة إبراهيم، عمل جلسات أسرية للفضفضة والحديث العام، لتمزيق حالة الصمت والخرس المنزلي ونقل مشاعر المودة والدفء بينهم، وأن يستثمر الوالدان هذه الجلسات في متابعة أبنائهما، والجلوس إلى مائدة الطعام معاً، على الأقل وجبة في اليوم، مؤكدين أن «مشاركة الوالدين مع أبنائهما في الحديث، أو قراءة قصة أو مشاهدة فيلم ومناقشة أحداثه، تجسد التقارب المعنوي، وتشعر حينها الأطفال بالدفء الأسري».
وتابعوا أن «التكنولوجيا ليست العامل الوحيد لغياب الحوار الأسري، حيث توجد عوامل داخلية كانت سبباً في اختفاء الحوار، وأولها عدم التفرغ للأولاد، وعدم الإنصات لهم أو الاهتمام بتلبية الاحتياجات المادية على حساب الاحتياجات النفسية والعاطفية، إضافة إلى عدم استخدام فن اختيار الكلمة، سواء بين الأزواج أو مع الأبناء»، مشددين على أن «الحوار يعتبر نواة نجاح كل أسرة، وعندما يختفي بين أفراد الأسرة تتفاقم المشكلات، وتفقد الأسرة الترابط، ويفقد الأبناء الثقة بالأب والأم، ويكونون عرضة لتأثير أصدقاء السوء».
من جانبها، أكدت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، أن قضاء الوقت النوعي مع أفراد الأسرة، يسهم في خلق علاقة أسرية وثيقة، مبنية على التواصل والاحترام والثقة. كما يرسخ في الأبناء السلوكات الإيجابية، وينمي فيهم شخصيتهم، ويحسّن من صحتهم النفسية، مشددة على أن الآباء يلعبون دوراً مهماً في تنشئة أبنائهم منذ مراحل الطفولة المبكرة، من خلال تخصيص وقت للتواصل والتحاور معهم، وتلبية الاحتياجات العاطفية والنفسية لهم في مراحلهم العمرية المختلفة، ما يكفل تعزيز العلاقة بين أفراد الأسرة، ويقوي الروابط الأسرية القوية والممتدة عبر الأجيال.
وشددت على أهمية تخصيص الآباء وقتاً نوعياً يقضونه مع أبنائهم، بعيداً عن المشتتات والملهيات، ويستمعون فيه لهم ويتحاورون معهم، حيث أثبتت الدراسات أن قضاء وقت نوعي مع الأبناء يعزز من أدائهم الأكاديمي، ومن صحتهم النفسية، كما يزيد من تقديرهم للذات وثقتهم بالنفس، مشيرة إلى أن أغلى هدية يقدمها الآباء لأبنائهم هي تخصيص وقت لهم، لتعزيز الأمان العاطفي وصقل شخصية الطفل.
وأشارت إلى أن تعزيز الترابط بين أفراد الأسرة، وتفعيل أدوارهم، يسهم في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية للأسرة، مضيفة أنها تولي أهمية كبيرة لإيجاد أسر تتسم بالتماسك والانسجام بين أفرادها، انطلاقاً من إدراكها أن تكوين أسرة سليمة والحفاظ على استمرارها، وتهيئة الأجواء المجتمعية لضمان استقرارها، يعتبر بمثابة المرتكز الرئيس والحيوي لبناء الوطن والمواطن.
سيف الجابري:
«كثير من المشكلات التي تواجه الأسرة والمجتمع في الوقت الحالي سببها اختفاء ثقافة الحوار والتواصل بين الوالدين وأبنائهما».
«التواصل العائلي يحسّن الصحة النفسية للأبناء، ويعزز أداءهم الأكاديمي ».
«الاستماع الفعّال للأبناء يحميهم من السلوكات العنيفة.. مثل التنمر والعنف».
إدارة العلاقات الأسرية
أكدت دائرة القضاء في أبوظبي حرصها على تقديم الاستشارات والمحاضرات التثقيفية للتعريف بأسس الاستقرار الأسري والمهارات اللازمة لتجاوز الصعوبات، والحد من الخلافات الزوجية بأساليب ودّية مبتكرة، في إطار جهودها الرامية إلى توطيد العلاقات الأسرية، والحفاظ على تماسك المجتمع وتلاحمه.
وأكدت الدائرة حرصها على تنظيم جلسات حوارية حول قواعد السعادة وإدارة العلاقات الأسرية، والتعريف بالوسائل التي تساعد على تحقيق السعادة بين أفراد الأسرة، مع اكتساب مهارات التواصل الفعال، والالتزام بأداء الحقوق والواجبات، فضلاً عن أهمية غرس القيم الصالحة، ودورها في مواجهة التحديات والصعوبات، إضافة إلى الاستشارات والدردشة الأسرية المقدمة عن طريق الموجهين الأسريين في الدائرة.