بينما تتركز أنظار العالم على الصراعات الدائرة في غزة وأوكرانيا، يجد الكثيرون أنفسهم يتساءلون: ما هو السلام الحقيقي؟ غالبًا ما يقتصر الحديث عن السلام على مبادرات وقف إطلاق النار، والتي قد توفر راحة مؤقتة، لكنها نادراً ما تعالج الجذور العميقة لهذه الصراعات. إن التوصل إلى سلام دائم يتطلب أكثر من مجرد هدنة، بل يتطلب حلولًا سياسية شاملة ومعالجة المظالم التي تغذي العنف. هذا المقال يتناول أوجه القصور في الجهود السلمية الحالية، مع التركيز على الحاجة إلى مقاربة أكثر جدية ومستدامة لتحقيق السلام الحقيقي في هاتين البقعتين الساخيتين.
تقييم الجهود السلمية الحالية: رؤية نقدية
في مقال نشرته صحيفة “الجزيرة” في 23 أكتوبر 2025، يقدم جيفري ساكس وسيبل فاريس تحليلاً نقديًا للجهود السلمية التي تقودها الولايات المتحدة في كل من غزة وأوكرانيا. يرى المؤلفان أن هذه الجهود غالبًا ما تكون غير كافية، وتفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية اللازمة للتوصل إلى حلول دائمة. ينتقدون بشكل خاص المقترحات السابقة التي طرحها الرئيس ترامب، والتي ركزت بشكل أساسي على وقف إطلاق النار المؤقت بدلاً من بناء أسس السلام الحقيقي على المدى الطويل.
هذه النظرة تتوافق مع شعور متزايد بالإحباط من الدور الذي تلعبه القوى الكبرى في حل النزاعات. فغالبًا ما تكون المصالح السياسية والاقتصادية قصيرة الأمد هي المحرك الرئيسي للقرارات، مما يعيق التقدم نحو حلول مستدامة.
خيبة الأمل في خطة السلام لغزة
الخطة الأمريكية الحالية للسلام في غزة تعطي الأولوية لوقف القتال المستمر، وهو أمر إيجابي في حد ذاته، ولكنه ينطوي على قصور كبير. فقد تم انتقادها لعدم معالجتها القضايا الأساسية التي تدفع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعلى رأسها مستقبل الفلسطينيين وحقوقهم.
تأثير الوضع الراهن على الاستقرار الإقليمي
إن الحفاظ على الوضع الراهن، مع السماح باستمرار العمليات العسكرية تحت غطاء الأمن، وتأجيل إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، لا يخدم هدف السلام الحقيقي. بل على العكس، يُبقي الوضع هشًا وعرضة للانفجار في أي لحظة. يرى ساكس وفاريس أن الخطة الأمريكية قد تُقلّص حتى من فرص إقامة دولة فلسطينية، في ظل السماح للاحتلال بمواصلة ضم أجزاء من الضفة الغربية بدعاوى أمنية واهية. هذا الواقع يُعمق الإحساس بالمظلمة ويغذي دورة العنف.
أوكرانيا: نمط مشابه من الحلول غير الحاسمة
في أوكرانيا، تتكرر نفس الأنماط. فالرئيس السابق ترامب يدعي قدرته على إنهاء الحرب “على الفور”، لكن مقترحاته تفتقر إلى أي حلول سياسية ملموسة تعالج جذور الصراع. تعود أصول النزاع إلى توسع حلف الناتو، والذي اعتبرته روسيا تهديدًا لأمنها القومي.
ضرورة الضمانات الأمنية المتبادلة
إن التوصل إلى السلام الحقيقي في أوكرانيا يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها صياغة اتفاقية سلام تقدم ضمانات أمنية متبادلة لجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك روسيا و أوكرانيا. هذا يعني الاعتراف بالمخاوف الأمنية المشروعة لكل طرف، والعمل على بناء آلية تعاون إقليمي تضمن الاستقرار والمنع من تكرار الصراع.
دور المصالح الخاصة في إعاقة السلام
إن الوصول إلى سلام دائم ليس مجرد مسألة إرادة سياسية، بل هو أيضًا مسألة مواجهة المصالح القوية التي تستفيد من استمرار النزاع. تلعب صناعة الأسلحة وجماعات اللوبي دورًا كبيرًا في تشكيل السياسات، حيث تجني أرباحًا طائلة من مبيعات الأسلحة ومن استمرار حالة الحرب. هذه المصالح غالبًا ما تعيق التقدم نحو حلول سلمية. لذلك، يجب على صناع القرار أن يكونوا شجعانًا وصادقين في مواجهة هذه القوى المؤثرة.
نحو مقاربة جديدة للسلام
للمضي قدمًا، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى مقاربة جديدة تركز على المشاركة الفعالة مع الفاعلين الإقليميين الذين يفهمون الواقع على الأرض. في الشرق الأوسط، يمكن للقادة العرب تقديم وجهات نظر قيمة حول ما هو مطلوب لتحقيق السلام الحقيقي في غزة. وفي أوروبا، يجب أن يكون الحوار مع روسيا وأعضاء الناتو قائمًا على الاحترام المتبادل والاعتراف بالمخاوف المشروعة لجميع الأطراف.
أهمية القانون الدولي والاستماع للأصوات المحلية
يجب التحول من إدارة النزاع – وهي مقاربة مؤقتة وغير فعالة – إلى حله فعليًا. ويكمن هذا الحل في تبني حلول سياسية شاملة، والاستماع إلى الأصوات الإقليمية، ووقف تأثير اللوبيات الحزبية، ومواءمة السياسة الأمريكية مع مبادئ القانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يجب إعطاء الأولوية لجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لخلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، خاصة في المناطق المتضررة من النزاع. إن معالجة الأسباب الجذرية للفقر والإحباط هي جزء لا يتجزأ من بناء السلام الحقيقي.
في الختام، يتطلب تحقيق السلام الحقيقي في غزة وأوكرانيا، وفي أي مكان آخر في العالم، رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وشجاعة سياسية لمواجهة المصالح الخاصة، والتزامًا حقيقيًا بالعدالة والمساواة. إنها مهمة شاقة، ولكنها ليست مستحيلة. دعونا نطالب قادتنا بأن يرتفعوا إلى مستوى التحدي، وأن يعملوا على بناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً للجميع. شارك هذا المقال وادعُ أصدقائك للانضمام إلى الحوار حول مستقبل السلام.
