زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، أمس السبت، استعادة 147 أسيرا حيا من قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلا أن الحقائق المعلنة تشير إلى تلاعب واضح في هذه الأرقام.
ففي بيان صادر عن مكتبه، قال نتنياهو زاعما: “استعدنا حتى الآن 192 أسيرا من غزة منذ 7 أكتوبر، منهم 147 على قيد الحياة، و45 أمواتا”.
وتابع حديثه: “لا يزال 63 أسيرا إسرائيليا في يد حماس “.
تزامن إعلان نتنياهو مع تسليم حركة “حماس” الدفعة السابعة من الأسرى الإسرائيليين ضمن صفقة التبادل الحالية، وشملت 4 جثامين الخميس، و6 أسرى أحياء اليوم.
ومعروف عن نتنياهو الدهاء السياسي عبر التلاعب بالأرقام والتصريحات، ما ساعده في الوصول لرئاسة الحكومة 3 مرات، والبقاء في المنصب إجمالا لأكثر من 17 عاما ما جعله رئيس الوزراء الأطول مدة في تاريخ إسرائيل.
تلاعب واضح
لكن الحقائق المعلنة تكشف عن تلاعب واضح في بيانه اليوم بالأرقام.
إذ لم تتمكن إسرائيل عبر العمل العسكري خلال حرب الإبادة على غزة التي دامت قرابة 16 شهرا، سوى من استعادة 5 أسرى أحياء، مرتين.
المرة الأولى كانت في 8 يونيو/ حزيران 2024، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي تحرير 4 أسرى من منطقتين منفردتين في قلب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بهجوم جوي وبري وبحري، ما أسفر عن مقتل 274 فلسطينيا بينهم 64 طفلا و57 سيدة وإصابة المئات بجروح مختلفة.
فيما قالت كتائب القسام، الذراع العسكري لـ”حماس”، آنذاك، إن الجيش الإسرائيلي قتل 3 من الأسرى، أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية، خلال استعادة الأسرى الأربعة.
أما المرة الثانية فكانت في 27 أغسطس/ آب 2024، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي استعادة أحد الأسرى الإسرائيليين حيا، ويدعى فرحان القاضي.
وحتى الأسير القاضي، قالت صحيفة “هارتس” العبرية الخاصة آنذاك إنه تمكن من الفرار من آسريه داخل نفق في غزة قبل أن تنقذه قوات الجيش.
في مقابل ذلك، أعلنت تل أبيب استعادة العديد من جثامين الأسرى من غزة عبر العمل العسكري.
وكانت أشهر عمليات الاستعادة في 31 أغسطس 2024، عند قال الجيش الإسرائيلي إنه عثر على جثث 6 أسرى آخرين داخل نفق في منطقة حي السلطان برفح.
وأقر تحقيق للجيش الإسرائيلي بأن هؤلاء الأسرى لقوا حتفهم في الـ29 من الشهر ذاته خلال اجتياحه المنطقة، وأن هذا الاجتياح كان له “تأثير ظرفي” أدى إلى مقتل هؤلاء الأسرى.
وهو التحقيق، الذي اعتبرته هيئة أهالي الأسرى الإسرائيليين “دليلا جديدا” على أن الضغط العسكري يتسبب في وفاة ذويهم، ودفعتهم إلى تصعيد ضغوطهم على حكومة نتنياهو لوقف تلاعبها بمفاوضات التوصل إلى اتفاق غزة بغرض المساهمة في إطلاق سراح بقية الأسرى أحياء.
فيما أكدت حركة “حماس” في أكثر من بيان، حرصها على الحفاظ على حياة الأسرى، لافتة إلى أن العشرات منهم قتلوا جراء القصف الجوي الإسرائيلي.
وحذرت من أن حكومة نتنياهو تتعمد التخلص من الأسرى الإسرائيليين حتى لا يشكلوا عليها ضغطا كورقة تفاوض.
عودة الأسرى بالتفاوض
وبخلاف العمل العسكري، استعادت تل أبيب عبر صفقات التبادل حتى الآن 104 أسرى إسرائيليين أحياء و4 جثامين عبر المفاوضات، عشرات منهم أجانب غير مزدوجي الجنسية.
فقد سلمت الفصائل الجانب الإسرائيلي 81 أسيرا إسرائيليا ومن مزدوجي الجنسية أحياء، إضافة إلى 23 من العمال الأجانب، خلال هدنة إنسانية مؤقتة استمرت 7 أيام، وانتهت مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023.
مقابل ذلك أفرجت إسرائيل عن 240 أسيرا فلسطينيا، بينهم 107 أطفال، حيث لم تتم إدانة ثلاثة أرباعهم بارتكاب أي جريمة.
وخلال صفقة التبادل الحالية التي بدأت في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، سلمت الفصائل الفلسطينية على دفعات 25 أسيرا إسرائيليا ومن مزدوجي الجنسية أحياء و4 أموات، إضافة إلى 5 عمال أجانب خارج الصفقة.
ومقابل هؤلاء أفرجت إسرائيل عن 1135 أسيرا فلسطينيا، بينما تعطل حتى الساعة الإفراج عن 620 أسيرا كان مقررا الإفراج عنهم اليوم.
يكشف ذلك أن كل ما تمكنت تل أبيب من إطلاق سراحهم عبر العمل العسكري هم 5 أسرى إسرائيليين أحياء على أكثر تقدير، وعبر التفاوض 104.
فيما أطلقت الفصائل الفلسطينية سراح 28 من الأجانب خارج الصفقة.
وعبر التفاوض، استعادت إسرائيل جثامين 4 عبر التفاوض، وعددا آخر عبر العمل العسكري، في ظل تأكيد من “حماس” أن الجيش الإسرائيلي هو من قتلتهم عبر قصفه المكثف على غزة خلال حرب الإبادة.
لكن يبدو أن نتنياهو، وفي محاولة لنسبة النصر إلى نفسه كما اعتاد، خلط كل الأرقام في بعضها، وتلاعب بها، في رسالة للداخل الذي يضغط قطاع منه لاستعادة باقي الأسرى من غزة عن إكمال الاتفاق.
يأتي ذلك بينما يواصل نتنياهو المماطلة في بدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، التي كان من المفترض أن تنطلق في 3 فبراير/ شباط الجاري.
وتتحدث وسائل إعلام عبرية عن أن نتنياهو وعد حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار بغزة لإقناعه بالبقاء في الائتلاف الحكومي، ومن ثم منع انهياره.
وبدعم أمريكي، شنت إسرائيل حربا على غزة بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، أسفرت عن أكثر من 160 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، وفق معطيات فلسطينية.
وفي 19 يناير الماضي، بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والتي تتضمن ثلاث مراحل تمتد كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل استكمال المرحلة الجارية.