انتهى كرنفال الانتخابات الأميركية، بفوزٍ حاسمٍ وكبيرٍ للنسخة الأميركية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، أما حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الشعبين الفلسطيني واللبناني، فكانت لأوّل مرّة، في تاريخ الانتخابات الأميركية، واحدة من القضايا المهمّة على أجندة المرشّحين وعلى أجندة المجتمع الأميركي.
صحيح أنّ هذا الملفّ لم يكن الأوّل أو الثاني أو الثالث الذي يقرّر لصالح من سيذهب تصويت الأميركيين، لكنه كان عاملاً مهمّاً في تفسير خسارة المرشّحة كامالا هاريس التي لم يتميّز خطابها عن سياسة رئيسها جو بايدن.
سيقول البعض إنّ ثمّة مبالغة في تقدير أهمية الصوت العربي والإسلامي في التأثير على النتائج، حيث يشكّل هؤلاء واحداً في المئة من أصوات الناخبين. غير أنّ هذا الصوت كان يمكنه ترجيح فرص أحد المرشّحين في بعض الولايات المهمّة المتأرجحة، وقد كان ذلك الأثر واضحاً خلال الانتخابات التي رجّحت فوز بايدن في انتخابات العام 2020.
الصوت العربي والإسلامي عاقب نفسه وقضاياه وليس فقط انه عاقب «الديمقراطيين»، الذين يستحقّون العقاب لسبب السياسة التي أدارتها وعملت عليها إدارة بايدن، ونائبته هاريس.
لا أقول ذلك، لأنّ «الديمقراطيين» أقلّ سوءاً بالمقارنة مع «الجمهوريين» الذين خبرنا سياستهم الظالمة خلال الرئاسة الأولى لترامب بين 2016 و2020، فكلا الحزبين، تميّز بعدائه للشعب الفلسطيني وكفاحه وحقوقه، وكلاهما تبنّى سياسات تستهدف تغيير خارطة الشرق الأوسط، وتحقيق الهيمنة الصهيونية على المنطقة.
ولكن كان فوز هاريس، ورفض ترامب الاعتراف بذلك، سيؤدّي إلى دفع البلاد إلى حالة من الفوضى والاضطراب وربما العنف.
لقد صرّح ترامب أكثر من مرّة، أنّه لن يعترف بنتائج الانتخابات إذا فازت هاريس، لأنّها ستكون مزوّرة، وقد كرّر ذلك قبل ساعات من إعلان النتائج بفوزه.
في كل الأحوال لا يوجد فرق جوهري بين ترامب وهاريس عملياً، فإدارة بايدن، كانت حتى اللحظة الأخيرة شريكة ومنخرطة في حرب الإبادة، وقد حشدت جيوشها في المنطقة عدا قواعدها العسكرية المنتشرة في طول المنطقة وعرضها، وذلك لحماية جنودها ومصالحها والدفاع عن دولة الاحتلال.
ترامب صاحب « صفقة القرن »، والقائل إنّ أرض إسرائيل صغيرة ومحدودة، ويجب أن يتمّ توسيعها، لن يوقف الحرب طالما أنّ شريكه نتنياهو في السلطة ويرغب في استمرارها حتى النهاية.
ولكن هل يغيّر وصول ترامب للبيت الأبيض من واقع الحال إزاء الحرب الدائرة في المنطقة؟ الميدان يقرّر ذلك، ولا يبدو أنّ ثمّة رجعة عن ذلك، لكن الأمر مرّة أخرى يعود إلى النظام العربي، إن كان سيعود عن مواقفه التي ترفض «التطبيع»، ويشترط ذلك، بإقامة الدولة الفلسطينية أم أنّه سيتمسّك بمواقفه المعلنة حتى الآن.
واضح أنّ المنطقة مقبلة على تصعيد نوعي كبير، نحو أقلمة الصراع، وتوسيع دائرة الحرب الإبادية بما يشمل الضفة الغربية، وإيران، وربما يتوسع أكثر من ذلك ليتّخذ أبعاداً دولية، في سياق الصراع بين القوى العظمى.
بالتزامن مع بداية التصويت خلال الانتخابات، أقدم نتنياهو على إقالة وزير الحرب يوآف غالانت، وتلك خطوة كان يتمنّى لو أنّه تمكّن من اتخاذها قبل وقتٍ طويل، حتى قبل اندلاع الحرب العدوانية.
غالانت كان عظمة في حلق نتنياهو، فبالرغم من أنّه أدار الحرب من موقعه كوزير للحرب، فقد كان يعبّر عن انتقادات لسياسة الحكومة إزاء أهداف الحرب، وإزاء صفقة التبادل، وتجنيد «الحريديين».
قبل يومٍ واحد من إقالته كان غالانت قد أمر بتجنيد 7000 من «الحريديين»، على خلفية حاجة الجيش، وكان ذلك سيتسبّب في أزمةٍ شديدة للائتلاف الحاكم.
وبالإضافة إلى ذلك كان غالانت، الصوت الذي يستمع جيداً، للطلبات والنصائح الأميركية، رغم أنّه لم يتمكّن من تحقيق أيّ منها بسبب معارضة نتنياهو وفريقه الفاشي الحكومي.
أُقدّر أنّ نتنياهو كان يرغب في أن يوجّه ضربةً حاسمة للبرنامج النووي الإيراني، أو المنشآت النفطية، لو أنّه ضمن مساعدة الولايات المتحدة التي كانت تفضّل وتضغط في اتجاه أن تكون الضربة محدودة، وتمكّنها من احتواء ردود الفعل.
وأراد نتنياهو أن يدفع الحرب إلى التوسّع، واستدراج إيران للانخراط المباشر فيها انطلاقاً من التزامه بالأهداف الإستراتيجية الأولى لها، والتي تعرّضت نظرياً للتعديل والتضليل.
اختار نتنياهو اللحظة المناسبة لاتخاذ قراره بإقالة غالانت وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس بدلاً منه، رغم قلّة خبرته، لضمان طاعته، وانصياعه لرؤية نتنياهو. هي صفعة للإدارة الأميركية التي فوجئت بقرار الإقالة، فإن فازت هاريس في الانتخابات، كان عليها أن تتعامل مع أمرٍ واقع يغيب عنه غالانت، أمّا إن فاز ترامب، فإنّ الأمر سيكون مقبولاً من دون أي اعتراض أو امتعاض.
الإقالة يمكن أن تكون مؤشّراً على أنّ دولة الاحتلال تستعد لتوجيه ضربة استباقية لإيران يستهدف مشروعها النووي، باعتبار ذلك محلّ توافق ورغبة لدى الرئيس الأميركي الجديد ترامب، الذي سبق له أن سحب الولايات المتحدة من اتفاق الكبار مع إيران بشأن برنامجها النووي.
يكثر الحديث عن أنّ إيران على وشك الردّ على الضربة الإسرائيلية الأخيرة عليها، والتي يبدو أنّها كانت قاسية، من خلال حلفائها في العراق، ولكن لا يبدو أنّ لديها مثل هذا الوقت، خاصة وأنّ العراق تعرّض لضغوط مباشرة من قبل الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الغربيين، فضلاً عن بعض الدول العربية.
على كلّ حال، يبدو أنّ نتنياهو سيمضي في اتخاذ المزيد من القرارات لتطهير فريقه، بما في ذلك رئيس الأركان، ورئيس جهاز «الشاباك»، وربّما يشمل ذلك المستشار القضائي للحكومة وآخرين.
هكذا يلقي نتنياهو بكلّ المسؤولية عن الفشل على آخرين، ويؤمّن لائتلافه الحكومي استقراراً أكبر، من دون أن يتوقّع «معارضة» ذات أهمية من الأحزاب خارج ائتلافه الفاشي.
«المعارضة» لا تملك سوى أن تلطم، وتُكثِر من الزعيق والنعيق، فالبلاد في حالة حرب، أمّا أهالي الأسرى، فقد فقدوا الأمل بكلّ إمكانية للتوصّل إلى صفقة تؤدّي إلى الإفراج عن أبنائهم.
من المؤكّد أنّ احتجاجات أهالي الأسرى الإسرائيليين، ستتصاعد، ولكنها ستواجه حالة من القمع غير مسبوقة من قبل الشرطة، التي اعتقلت أكثر من 40 من المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع فور سماعهم خبر إقالة غالانت.
ما أَقدَمَ ويمكن أن يُقدِمَ عليه نتنياهو من إقالات، يُعدّ أمراً مخالفاً، للإجراءات الطبيعية، فيما الدولة تخوض حرباً شرسة، خصوصاً، وأنّ المعنيين لم يكونوا مقصّرين في استخدام أقصى القوّة، والمسؤولية إزاء حرب الإبادة الجارية.
من بين أهمّ التعليقات ما صدر عن رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت الذي دعا إلى عصيان مدني شامل، ولكن هل يمكن أن تجد تعليقاته صدى لدى «المعارضة» والمجتمع؟ سنرى ما تحمله الأيّام المقبلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية