في السادس من هذا الشهر، سيتم تتويج الملك تشارلز الثالث في وستمنستر أبي. ومثل كل تتويج جرى من قبل، ستكون هذه المناسبة غنية بالتقاليد والتاريخ، مع طقوس تعود إلى مئات السنين. ولكنها ستكون مختلفة أيضاً عن أي تتويج حدث من قبل، فلكل حاكم أسلوبه الخاص ومعتقداته الخاصة، فلأكثر من ألف عام ظل تتويج الملك بمثابة علامة مهمة لتمييز كل ملك جديد عن سابقيه. ويبدو أن الملك المعروف بحرصه الشديد سيجعل هذا الحدث أقل تكلفة من حفل تتويج والدته الراحلة الملكة إليزابيث. وبعد كل شيء، فإن البلاد تعاني أزمة تكاليف المعيشة. فمن هو الملك تشارلز الثاني؟
طيار ماهر وغواص حاذق
الملك تشارلز الثاني هو الابن الأكبر للملكة إليزابيث الثانية والأمير فيليب الذي كان دوق إدنبرة. ولد في 14 من نوفمبر 1948 في قصر باكنغهام بلندن. تشارلز هو وريث العرش المؤكد، ما يعني أنه الوريث الأطول خدمة في تاريخ بريطانيا. أصبح الأمير تشارلز ملكاً في الثامن من سبتمبر 2022 بعد وفاة والدته الملكة إليزابيث الثانية. وهو طيار ماهر وغواص حاذق، أمضى وقتاً طويلاً في التحليق بطائرات سلاح الجو الملكي البريطاني، وكذلك طائرات الهليكوبتر التابعة للبحرية الملكية. وهو أول ملك بريطاني على الإطلاق حصل على مؤهل في الغوص، حيث اكتشف الكثير من حطام السفن.
محب للخير
لدى تشارلز عدد من المؤسسات الخيرية. وهو راعي أو رئيس نحو 400 منظمة خيرية أخرى. وأسس على مر السنين عدداً من الجمعيات الخيرية، فقد أسس جمعية «برنس ترست»، ومؤسسة «برنسس فاونديش» للأطفال والفنون. وهو أول فرد في العائلة المالكة يحصل على شهادة جامعية من جامعة بريطانية. تخرج الأمير تشارلز بدرجة البكالوريوس في التاريخ من كلية ترينيتي في كامبريدج عام 1970. وخلال هذا الوقت، أكمل أيضاً دبلوماً في الأنثروبولوجيا وعلم الآثار.
يحكم 14 دولة غير المملكة المتحدة
ليست المملكة المتحدة وحدها هي التي يحكمها الملك تشارلز. فهناك 14 دولة أخرى تقع تحت التاج البريطاني وهي: أنتيغوا وبربودا، أستراليا، جزر البهاما، بليز، كندا، غرينادا، جامايكا، نيوزيلندا، بابوا غينيا الجديدة، سانت كيتس ونيفيس، سانت لوسيا، سانت فنسنت وجزر غرينادين، جزر سليمان وتوفالو.
فنان بالسليقة
أثناء دراسته تعلم تشارلز العزف على ثلاث آلات، التشيلو والبيانو، والبوق، ويعشق الرسم وظل يمارس هذا الفن منذ 50 عاماً. ويرسم فقط بالألوان المائية ويحب رسم المشاهد الخارجية والمناظر الطبيعية.
ومن المناطق التي يحب رسمها المناظر الطبيعية المحيطة بقلعة بالمورال، وقلعة بالمورال هي منزل ملكي كبير في أبردينشاير، اسكتلندا، ويمثل مقر إقامة العائلة المالكة البريطانية، ويقع بالقرب من قرية كراثي. وعلى مدى السنوات بين عامي 1997 و2016 كشف تحقيق أجراه الصحفي في صحيفة تلغراف، روبرت مينديك، أن لوحات تشارلز بالألوان المائية قد بيعت بإجمالي ستة ملايين جنيه إسترليني، حيث ذهبت الأرباح جميعها إلى مؤسسة برنس الخيرية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الملك تشارلز لا يرى موهبته الفنية مثيرة للإعجاب بشكل خاص، ويصف نفسه بأنه «من الهواة المتحمسين». كتب في معرض أقيم في غاريسون تشابل، تشيلسي، في وقت سابق من هذا العام: «لا أتوهم أن رسوماتي تمثل فناً عظيماً أو موهبة مزدهرة». ويسترسل: «إنها تمثل، أكثر من أي شيء آخر، ذوقي الخاص، وعلى هذا النحو، فإنها تعني الكثير بالنسبة لي».
ووصف عملية رسم المناظر الطبيعية بأنها «من أكثر التمارين المريحة والعلاجية التي أعرفها».
تعلم الملك تشارلز الرسم أثناء وجوده في مدرسة داخلية في اسكتلندا في الستينيات من القرن الماضي، قبل أن يلتقي ويتعلم من فنانين بارزين، من بينهم إدوارد سيغو، وديريك هيل، وجون وارد.
ويرى الملك أن عمله الفني ليس شيئاً لكسب المال، ولكن كوسيلة لإعادة شحن الطاقة الموجبة. ويرعى عدداً من الفرق الموسيقية، من بينها برمنغهام رويال باليه، وأوركسترا بي بي سي الوطنية في ويلز.
رجل ريفي
لدى الملك تشارلز مجموعة من الاهتمامات التي تتمثل في البستنة، فهو مهتم بشكل خاص بالعناية بحديقته العضوية في منزله في هاي غروف.
كما أنه يستمتع ببناء السياجات حول حدائقه، وقد أقام العديد من هذه السياجات بنفسه، فضلاً عن استضافته بطولات «بناء السياجات» الوطنية.
وتحدثت زوجته كاميلا عن براعته في المشي لمسافات طويلة. وتحدثت عن حبه للمشي في برنامج «إيما بارنيت» على إذاعة «بي بي سي» في الخامس من يونيو 2020، قائلة عنه: «ربما يكون الرجل الأقوى في عمره الذي يفعل ذلك»، وتسترسل: «فهو يمشي ويمشي ويمشي مثل ماعز جبلي، ويترك الجميع وراءه أميالاً».
وتحدثت عن عشقه للرياضات الريفية مرة أخرى كجزء من مناسبة احتفالها بعيد ميلادها الخامس والسبعين في يوليو. وقالت كاميلا إن تشارلز «مواطن ريفي في جوهره»، وإن الريف هو المكان الذي يجد فيه «السلام الحقيقي». واستطردت أن تشارلز يشعر بالسلام عندما يقوم بوضع سياج تحت المطر الغزير، أو يركض مثل ماعز جبلي، أو يصعد إلى التلال شديدة الانحدار، أو يزرع الأشجار في المشتل، أو يقوم بتقليمها، فهذا هو المكان الذي يشعر فيه بالسلام الحقيقي».
اهتمامات مشتركة
من البستنة وركوب الخيل إلى الرحلات المسرحية وزيارات الأوبرا، يحب الملك تشارلز وزوجته الملكة كاميلا ملء أوقات فراغهما بأنشطة مشتركة. وغالباً ما يراهما الناس برفقة بعضهما البعض وهما يمزحان معاً، أو يتبادلان نظرات حنونة ازدادت قوة على مر السنين. ومنذ البداية كان لديهما الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الشغف بركوب الخيل، وتربية الخيول، ورياضة البولو، والمغامرات الريفية مثل الصيد، وصيد الأسماك، والرماية. وتقول الخبيرة الملكية، أنغيلا ليفين: «كلاهما يحب الوجود في الهواء الطلق، ولطالما كانا كذلك، وكان ذلك من أول الاهتمامات التي جمعتهما معاً».
وتضيف: «كانت كاميلا واثقة بنفسها ورفيقة مناسبة للملك منذ البداية، فهي النصف المثالي له عندما كان في يوم من الأيام عرضة للقلق، لكنه أصبح تدريجياً أكثر استرخاء في وجودها. واليوم، هما أكثر من سعيدين لكونهما يشاركان بهدوء بعضهما البعض في العديد من المصالح المشتركة».
محب للحيوانات
مثل العديد من أفراد العائلة المالكة، يخصص تشارلز في قلبه مكانة خاصة للحيوانات. وبينما تشتهر الملكة إليزابيث الثانية بحبها الشديد لكلابها، يحب الملك وكاميلا الكلاب أيضاً. ولكن على عكس الملكة، فإن سلالة الكلاب المفضلة لدى كاميلا وتشارلز هي «جاك راسل». في عام 2012 تبنّى الملك وزوجته كلبين من هذه الفصيلة. وعلى الرغم من أن الملك يعشق هذه الحيوانات فإن الكلاب ليست حيوانه المفضل، ويذهب بعض هذا الحب إلى حيوان موجود عادة في المزرعة أو الأحراج وهو السنجاب، وبينما يحب تشارلز الكلاب والسناجب، فإنه مغرم تماماً بالدجاج. ويقول مصدر لصحيفة الصن البريطانية: «تشارلز مولع دائماً بحب الدجاج، ولديه معرفة موسوعية بمعظم السلالات ويعرف كيفية تربيتها».
ودفعه هذا الحب المطلق لدجاجاته إلى مشاركة معرفته الواسعة عن هذه الطيور مع الآخرين. كتب مقدمة لكتاب ألّفته الخبيرة، سيليا لويس، بعنوان «الدليل المصور للدجاج: كيف تختارها، كيف تحافظ عليها». ويشاركه حبه للدجاج أحفاده الأمير جورج، والأميرة شارلوت، والأمير لويس الذين لديهم حظيرة خاصة بهم في منزلهم الريفي، أنمير هول.
• تشارلز يشعر بالسلام عندما يقوم بوضع سياج تحت المطر الغزير، أو يركض مثل ماعز جبلي، أو يصعد إلى التلال شديدة الانحدار، أو يزرع الأشجار في المشتل، أو يقوم بتقليمها، فهذا هو المكان الذي يشعر فيه بالسلام الحقيقي.
• كانت كاميلا واثقة بنفسها ورفيقة مناسبة للملك منذ البداية، فهي النصف المثالي له عندما كان في يوم من الأيام عرضة للقلق، لكنه أصبح تدريجياً أكثر استرخاء في وجودها.
من يدفع ثمن التتويج؟
يتوقع أن يكلف حفل تتويج الملك تشارلز لثلاثة أيام من الاحتفال 100 مليون جنيه إسترليني. وذكرت مصادر أن تكلفة ضمان أمن الشخصيات البارزة التي تطير إلى الداخل قد تتطلب 150 مليون جنيه إسترليني إضافية. فعندما تم تتويج الملكة إليزابيث الثانية، حضر 8 آلاف مدعو للمناسبة التي استمرت ثلاث ساعات في وستمنستر أبي.
ويُعتقد أن الملك تشارلز قد طلب حدثاً أقصر بقائمة ضيوف أقل. وبما أن التتويج حدث رسمي، فستدفع حكومة المملكة المتحدة تكاليف تتويج الملك تشارلز الثالث. وفي الأساس، سيتم تمويل الحدث من قبل دافعي الضرائب. ومع ذلك، يُزعم أن الملك الجديد طلب أن يكون الحفل الممول من القطاع العام، أقل مستوى بكثير من حفلات أسلافه. ويقول المطلعون إن هذا جزء من مهمته لإنشاء عائلة ملكية أكثر قابلية للاستمرار من الناحية المالية.
تتويج بذخي
عندما اعتلى الملك جورج الرابع، العرش في عام 1821، أصر على إقامة واحدة من أغرب حفلات التتويج في التاريخ البريطاني. فقد أصدر قراراً بأن يرتدي جميع أفراد الحاشية ملابس غالية الثمن في ذلك العهد وصلت تكلفتها إلى 45 ألف جنيه إسترليني (نحو 4 ملايين جنيه إسترليني بمقاييس اليوم) وأمر بصنع تاج جديد له مرصّع بـ 12314 ماسة. وبعد الحفل، تناول ضيوفه وليمة من ثلاثة أطنان من لحم البقر، وتسعة أطنان من لحم الضأن، و9840 زجاجة من النبيذ. ووصلت الفاتورة النهائية إلى 230 ألف جنيه إسترليني؛ أي أضعاف تكلفة تتويج والده. وتضررت الخزينة العامة بسبب هذا المشهد البذخي لدرجة أن تتويج ويليام الرابع، بعد عقد من الزمن، تم من دون مأدبة على الإطلاق.