لا نريد العودة للحديث عن هجوم السابع من أكتوبر وخطأ الحسابات المدمر الذي قاد لكل هذا الوضع الذي تشهده غزة والضفة بل وكل الإقليم مروراً بلبنان وسورية وانتهاءً باليمن، بل سنركز على الجولة الراهنة من الحرب والتصعيد الأخير الذي كان نتيجة لعدة أخطاء ارتكبتها حركة « حماس » وأدت إلى سقوط مئات الشهداء بمن فيهم قادة بارزون من «حماس» بالإضافة إلى عودة الحرب المدمرة بكل تفاصيلها وجرائمها ورعبها. وعاد الناس في غزة إلى حالة الجوع والتشريد من جديد. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في مخطط الإخلاء والتهجير القسري – الطوعي للمواطنين، بعد إنهاء ما تبقى من مظاهر الحياة الآدمية.
خطأ «حماس» الجوهري هو في تقدير قيمة الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين في غزة أكثر بكثير مما تحسبهم الحكومة الإسرائيلية. والتعامل مع هذا الملف بنوع من الفهلوة القاتلة، حتى تحول من ورقة يمكن استثمارها إلى عبء على «حماس» والشعب الفلسطيني في غزة. وبدلاً من تحوله إلى ورقة ضغط على بنيامين نتنياهو أصبح ورقة لصالحه وضد «حماس». حتى لو كان هناك تعاطف كبير من الشارع الإسرائيلي مع قضية المحتجزين، فهناك أغلبية بدأت تكبر باستمرار ضد غزة ومع ترحيل الفلسطينيين منها إلى الأبد، بمن فيهم الذين يطالبون بصفقة للإفراج عن المحتجزين حتى لو بثمن وقف الحرب. فهؤلاء لا يعارضون أن تعود إسرائيل للحرب بعد الانتهاء من ملف الأسرى.
الخطأ الثاني الذي ارتكبته «حماس» هو في طريقة الاستعراضات العسكرية في عمليات التبادل بما في ذلك كشف عدد من قادتها الذين لم تصل إليهم يد إسرائيل. والأدهى أن تحاول الحركة استعادة سيطرتها المدنية على غزة قبل انتهاء الحرب، وعودة قادتها السياسيين والموظفين المدنيين إلى المكاتب ومحاولة الإثبات أن «حماس» لا تزال تدير قطاع غزة، الأمر الذي ساهم في تزويد إسرائيل ببنك أهداف جديد كانت تفتقر إليه بعد نفاد بنك أهدافها السابق قبل الحرب وأثنائها. كما أن عملية الاستعراض ساهمت في تحريض أطراف عديدة بما فيها أطراف دولية ضد «حماس».
الخطأ الثالث، والأخطر، هو إضاعة فرصة الحوار مع الولايات المتحدة دون اتفاق، حيث لم تقدر «حماس» أنه يجب عليها التوصل لتوافق مع إدارة ترامب حتى لو اضطرت لتقديم تنازلات في الإفراج عن بعض الأسرى واستمرت في لعبة التفاوض وشد الحبال على اعتبار أنها تبالغ في تقدير حجمها، وفي نفس الوقت لم تدرك أن الوقت يلعب ضدها وأن زمان حكمها ووجود قواتها المسلحة قد ولى. وبذلك فوتت فرصة ذهبية لعقد اتفاق مع الرئيس دونالد ترامب ووضعه في مواجهة نتنياهو والحكومة الإسرائيلية، وذلك بمنحة ورقة المحتجزين ولو بشكل جزئي بناءً على خطة المبعوث ستيف ويتكوف.
الخطأ الرابع الذي ارتكبته «حماس» هو تقديرها أن إسرائيل لن تستأنف الحرب هكذا بسرعة ودون سابق إنذار، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية كانت تتحدث عن العودة لتوجيه ضربات لأهداف تخص الحركة. بل إنه تم توجيه اتهام للحركة بأنها تستعد لشن هجوم على إسرائيل. وهذه مؤشرات واضحة على نوايا الحكومة التي كانت تنتظر فقط الضوء الأخضر الأميركي والذي حصلت عليه بسبب خطأ حسابات «حماس». وكان يجب توقع عودة الحرب بسبب رغبة نتنياهو في تمرير الموازنة الإسرائيلية وهذه لن تمر دون موافقة إيتمار بن غفير وهذا يتطلب عودته للحكومة. وهو بطيعة الحال يشترط العودة باستئناف الحرب من جديد في غزة.
في الواقع، «حماس» أنقذت نتنياهو مرتين، المرة الأولى بهجوم السابع من أكتوبر عندما كادت حكومته تسقط بسبب الانقلاب على القضاء والدولة العميقة بسبب التظاهرات الضخمة والنية لشل الاقتصاد الإسرائيلي في إطار الاحتجاج. وهذه المرة أيضاً بسبب توفير الظرف لنتنياهو للعودة للحرب مرة أخرى وإعادة بن غفير للحكومة من جديد للمصادقة على الموازنة العامة التي من دونها تسقط الحكومة. وأيضاً وفرت الحرب لنتنياهو فرصة للتخلص من رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار وربما كذلك من المستشارة القضائية للحكومة. صحيح أن هذه التغييرات تقود إلى غضب واضطرابات في الشارع ولكن الحرب هي أفضل مناسبة للتغطية على انقلاب نتنياهو وبقائه لأطول فترة في الحكم.
آن الأوان لحركة «حماس» أن تعيد قراءة الواقع وتفكر بالظروف القائمة حالياً، فلم يعد بمقدورها المناورة للبقاء في الحكم أو التمسك بسلاح الحركة. فهذا يقود فقط لاستمرار الحرب ومواصلة جرائم الاحتلال وقتل المواطنين بمن فيهم كوادر وعناصر حركة «حماس». والمفروض أن تسعى الحركة لعقد صفقة تتنازل فيها عن كل المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين وإنهاء الحرب في إطار الموافقة على التخلي عن سلاحها. فهذا هو السبيل الوحيد لوقف العدوان الإسرائيلي، وحماية شعبنا، حيث لن تكون هناك إعادة إعمار أو وقف لسياسة إسرائيل في غزة والضفة الغربية أو أي أفق سياسي أو ترتيب شيء على مستوى الوطن دون ذلك. وأن عليها أن تذهب نحو صفقة تسمح ببقائها وضمان دور سياسي لها في المستقبل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية