عيد الميلاد في غزة 2025: بصيص أمل وسط رماد الحرب
أحيا المسيحيون الفلسطينيون في قطاع غزة، مساء الأربعاء 24 ديسمبر 2025، قداس عيد الميلاد في كنيسة العائلة المقدسة، في لحظة تاريخية ومؤثرة بعد عامين من حرب مدمرة. هذا الاحتفال، وإن كان يحمل طابعًا خاصًا هذا العام، يمثل رمزًا للصمود والأمل في وجه المعاناة التي خلفها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. القداس أقيم وسط أجواء حاولت استعادة بعض من الروحانية والبهجة التي لطالما ميزت هذه المناسبة، لكنه لم يخفِ آثار الحرب العميقة على نفوس وقلوب أبناء غزة.
عودة الاحتفال في ظل ظروف استثنائية
إقامة عيد الميلاد في كنيسة العائلة المقدسة هذا العام لم تكن مجرد احتفال ديني، بل كانت بمثابة إعلان عن التحدي والإصرار على الحياة. الكنيسة، الواقعة داخل مجمع دير اللاتين، استقبلت المصلين الذين توافدوا إليها حاملين معهم ذكريات مؤلمة من النزوح والفقدان. الاحتفال كان أكثر تواضعًا من الأعوام السابقة، مع التركيز على الجانب الروحي والمعنوي أكثر من المظاهر الاحتفالية.
المواطنون انشغلوا بتزيين شجرة عيد ميلاد صغيرة والمغارة، في محاولة لإضفاء لمسة من الفرح على المكان، رغم أن المقاعد الفارغة كانت شاهدة على سنوات من الخوف والنزوح. التراتيل الخافتة وأضواء الشموع أضفت جوًا من الهدوء والتأمل، بينما كانت الوجوه تعكس مزيجًا من الحزن والأمل.
جراح الحرب لا تزال تنزف
لم تُمحِ أجواء عيد الميلاد آثار الحرب الإسرائيلية التي استمرت لعامين. الدمار والفقد لا يزالان حاضرين في تفاصيل الحياة اليومية لسكان غزة. العديد من العائلات المسيحية فقدت منازلها وأحبائها، ولا يزالون يعانون من الصدمات النفسية التي خلفتها الحرب.
إدوارد صباغ، أحد المشاركين في القداس، عبّر عن شعوره بالقول: “أجواء العيد هذا العام أفضل نسبيًا مقارنة بفترة الحرب، لكن ثقل المعاناة لا يزال يلقي بظلاله على الجميع.” وأضاف أن العائلات تحاول إحياء العيد بتزيين الكنيسة واستعادة بعض الفرح الداخلي، لكن مشاعر الفرح تبقى منقوصة.
الكنيسة هدفًا للهجمات
خلال العامين الماضيين، تعرضت كنيسة العائلة المقدسة لقصف إسرائيلي متكرر، مما أدى إلى استشهاد وإصابة العديد من النازحين الذين لجأوا إليها بحثًا عن الأمان. في يوليو 2025، استشهد ثلاثة نازحين وأصيب تسعة آخرون، بينهم الأب جبرائيل رومانيللي، كاهن الرعية.
بالإضافة إلى ذلك، قتلت إسرائيل 20 مسيحيًا في هجمات على أنحاء متفرقة من قطاع غزة، واستهدف الجيش الإسرائيلي ثلاث كنائس رئيسية أكثر من مرة. هذه الهجمات تركت ندوبًا عميقة في المجتمع المسيحي في غزة، وزادت من شعورهم بالضعف والخوف.
أكثر من مجرد احتفال: رسالة صمود وأمل
على الرغم من كل الصعاب، فإن إقامة عيد الميلاد في غزة هذا العام تحمل رسالة قوية للعالم. إنها رسالة صمود وإصرار على الحياة، ورسالة أمل في مستقبل أفضل. المسيحيون في غزة، مثلهم مثل جميع الفلسطينيين، يرفضون الاستسلام لليأس، ويواصلون الاحتفال بحياتهم وثقافتهم وتقاليدهم.
الاحتفال بعيد الميلاد في غزة يذكرنا أيضًا بأهمية السلام والعدالة. المواطنون في غزة لا يريدون الدمار، بل يريدون أن يعيشوا بسلام وأمان، وأن يتمتعوا بحقوقهم الأساسية مثل جميع شعوب العالم. إنهاء الحرب واستعادة السلام هما الشرطان الأساسيان لتحقيق السعادة والرخاء للمجتمع المسيحي في غزة، ولجميع الفلسطينيين.
تأملات في عيد الميلاد القادم
إن الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام في غزة يختلف بشكل كبير عن الأعياد السابقة. لا يمكن الشعور بالفرح الكامل بعد ما شهده القطاع من دمار ومعاناة، لكن انتهاء الحرب يمنح الناس سببًا للتفاؤل. المواطنون يأملون في أن يشكل هذا العيد بداية لمرحلة أكثر استقرارًا وازدهارًا، وأن يعود السلام إلى أرضهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاحتفال بعيد الميلاد يمثل فرصة للتعبير عن التضامن مع جميع المتضررين من الحرب، وتقديم الدعم والمساعدة لهم. الكنيسة تلعب دورًا هامًا في هذا الصدد، حيث ترعى العديد من العائلات المسيحية التي فقدت منازلها، وتقدم لهم المساعدة الإنسانية والروحية. عيد الميلاد في غزة هو تذكير دائم بأهمية الإنسانية والتسامح والمحبة.
في الختام، يبقى عيد الميلاد في غزة 2025 رمزًا للأمل في خضم اليأس، وبصيص نور في ليل طويل من المعاناة. إنه احتفال بالصمود والإيمان، وتأكيد على أن الحياة أقوى من الموت، وأن السلام ممكن حتى في أصعب الظروف. نتمنى أن يعم السلام على غزة وفلسطين، وأن يتمكن جميع أبنائها من الاحتفال بالأعياد القادمة بفرح وسعادة حقيقية.
