في ظل التطورات المتسارعة للأحداث في قطاع غزة، تتجه الأنظار نحو الجهود الدبلوماسية المبذولة لوضع ترتيبات للمرحلة ما بعد الحرب. وتأتي زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، توماس باراك، إلى إسرائيل في هذا السياق، كجزء من التحضير للمرحلة الثانية من خطة غزة الأمريكية، والتي تهدف إلى إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
زيارة توماس باراك لإسرائيل: تفاصيل ومؤشرات
أفادت مصادر أمريكية، يوم السبت 13 ديسمبر 2025، بأن توماس باراك، المبعوث الخاص للرئيس ترامب، يعتزم زيارة إسرائيل يوم الاثنين المقبل. هذه الزيارة تأتي في توقيت حرج، حيث تتصاعد التوترات بين واشنطن وتل أبيب حول وتيرة تنفيذ الخطة الأمريكية، وتحديداً فيما يتعلق بـ “اليوم التالي” في غزة. باراك، الذي يشغل حاليًا منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ويتولى ملف سوريا، سيعقد مباحثات سياسية وأمنية سرية مع المسؤولين الإسرائيليين.
دوافع الزيارة وتوقيتها
تأتي زيارة باراك بعد قيام إسرائيل باغتيال القيادي في حركة حماس، رائد سعد، دون إبلاغ الولايات المتحدة مسبقًا، وهو ما أثار استياءً أمريكيًا. بالإضافة إلى ذلك، تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتسريع وتيرة تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، بينما تصر تل أبيب على ربط أي تقدم باستعادة جثمان أحد المحتجزين الإسرائيليين. هذا الاختلاف في وجهات النظر يلقي بظلاله على مسار المفاوضات، ويجعل زيارة باراك ضرورية لتهدئة الأوضاع وتجاوز الخلافات.
“اليوم التالي” في غزة: رؤية أمريكية وتحديات إسرائيلية
يشير مصطلح “اليوم التالي” إلى الترتيبات الشاملة التي ستتبع انتهاء العمليات العسكرية في غزة، وتشمل الجوانب السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية. تسعى الولايات المتحدة إلى وضع خطة متكاملة لإدارة القطاع، وضبط الأمن، وإعادة الإعمار، وتحديد دور الأطراف المحلية والدولية.
التنسيق الإقليمي والدولي
بدأت الإدارة الأمريكية بالتنسيق مع أطراف إقليمية ودولية لبحث هذه الترتيبات، بما في ذلك إمكانية إنشاء قوة دولية لتثبيت الأوضاع في غزة. على الرغم من عدم وجود إعلان رسمي حتى الآن، إلا أن هذه الفكرة تكتسب زخمًا في ظل الحاجة إلى ضمان الأمن والاستقرار في القطاع بعد انتهاء الحرب.
قرار مجلس الأمن الدولي
في 18 نوفمبر الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي مشروع قرار أمريكي يسمح بإنشاء قوة دولية مؤقتة في غزة حتى نهاية عام 2027. ووفقًا للخطة، ستدار غزة خلال هذه الفترة عبر حكومة فلسطينية انتقالية تعمل تحت إشراف “مجلس سلام” بقيادة ترامب، وفقًا لخطة مكونة من 21 بندًا. هذه الخطة تهدف إلى تحقيق تسوية شاملة تضمن حقوق جميع الأطراف.
قمة الدوحة التنسيقية: تفاصيل إنشاء القوة الدولية
في سياق متصل، أفاد موقع واللا العبري أن قمة تنسيقية ستعقد في الدوحة الثلاثاء المقبل، بمشاركة أكثر من 25 دولة وبرعاية القيادة المركزية الأمريكية. ستركز القمة على مناقشة تفاصيل إنشاء القوة الدولية لتثبيت الأوضاع في غزة، بما في ذلك هيكلها وصلاحياتها وآليات انتشارها.
مهام القوة الدولية
من المقرر أن تركز القوة الدولية على حفظ الأمن وبناء نظام مدني جديد في غزة، دون الانخراط في قتال مباشر مع حماس. ومن المتوقع أن تبدأ القوة في الانتشار مطلع عام 2026، بموجب تفويض من مجلس الأمن الدولي. هذا الانتشار يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار في القطاع.
مستقبل المفاوضات: أسابيع حاسمة
تشير التقديرات الأمريكية إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح الترتيبات السياسية والأمنية لما بعد الحرب في غزة. ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة واضحة بين النهج الأمريكي المتسارع والحذر الإسرائيلي المتزايد. خطة غزة تتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا في ظل الظروف الحالية. النجاح في تنفيذ هذه الخطة يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على التوفيق بين المصالح المتضاربة، وتقديم ضمانات أمنية لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني.
التحديات التي تواجه إعادة إعمار غزة
إعادة إعمار غزة تمثل تحديًا هائلاً، نظرًا للدمار الهائل الذي خلفته الحرب. الخطة الأمريكية تتضمن وضع خطة اقتصادية شاملة لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، وتوفير فرص العمل، وتحسين الظروف المعيشية للسكان. ولكن تنفيذ هذه الخطة يتطلب توفير تمويل كبير، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وتذليل العقبات السياسية والإدارية. بالإضافة إلى ذلك، يجب معالجة الأسباب الجذرية للصراع، ووضع حلول مستدامة تضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية يعتبر عنصراً أساسياً في أي خطة مستقبلية لغزة.
في الختام، زيارة توماس باراك إلى إسرائيل تمثل محاولة أمريكية جديدة لإنقاذ عملية السلام في غزة، ووضع أسس لمستقبل أفضل للشعب الفلسطيني. ومع ذلك، فإن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتعاونًا بناءً من جميع الأطراف المعنية، والتغلب على التحديات الهائلة التي تواجه المنطقة. نأمل أن تؤدي هذه الجهود إلى تحقيق الاستقرار والازدهار في غزة، وإعادة بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
