في محاولة لتعزيز صورته أمام الرأي العام الفرنسي، لجأ الرئيس إيمانويل ماكرون إلى استعراض القوة البدنية والحضور الجسدي، في خطوة تهدف إلى استعادة شعبيته المتراجعة. هذه الاستراتيجية، التي تضمنت نشر مقاطع فيديو تظهر الرئيس أثناء ممارسة الرياضة مع جنود فرنسيين، أثارت ردود فعل متباينة بين الإعجاب والسخرية، مما يعكس تعقيد المشهد السياسي والإعلامي في فرنسا.
استعراض القوة البدنية: حملة إعلامية لاستعادة الشعبية
نشر قصر الإليزيه مقطع فيديو أثار ضجة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر فيه ماكرون وهو يؤدي تمارين رياضية متنوعة إلى جانب جنود فرنسيين، تحت إشراف المدرب الرياضي الشهير تيبو إنشيب. الفيديو، الذي انتشر بسرعة على “تيك توك” و”إنستغرام” و”إكس”، يهدف إلى ربط صورة الرئيس بالانضباط العسكري والصلابة الجسدية، في محاولة لإظهار قيادته القوية وقدرته على التحمل.
لكن هذه الخطوة لم تلقَ قبولاً واسعاً، إذ سخر العديد من المستخدمين من الفيديو، واعتبروه مبالغاً فيه وغير مقنع. البعض ذهب إلى حد القول إن المقطع يبدو وكأنه من إنتاج الذكاء الاصطناعي، نظراً لتركيزه الشديد على إبراز قوة الرئيس ولياقته البدنية. يرتدي ماكرون في الفيديو شورتًا أزرق وقميصًا أبيض، ويظهر وهو يوجه الجنود لأداء تمارين الضغط والبلانك ورفع الركبة، قبل أن ينطلق معهم في الجري.
تيبو إنشيب: خبير اللياقة البدنية في خدمة الدبلوماسية الرئاسية
لم يكن اختيار المدرب الرياضي تيبو إنشيب عشوائياً. إنشيب، الذي يتابعه حوالي 27 مليون شخص على منصات التواصل الاجتماعي، يعتبر شخصية مؤثرة في عالم كمال الأجسام واللياقة البدنية. وقد شجع إنشيب ماكرون بنفسه خلال التدريب، قائلاً بنبرة حازمة: “هيا، لا تتذمروا”.
هذا التعاون يعكس محاولة من فريق ماكرون الإعلامي لاستقطاب الشباب وكسب دعمهم، من خلال الاستعانة بشخصيات ذات شعبية واسعة في أوساطهم. لكن هذا الأمر لم يخلُ من الانتقادات، حيث يرى البعض أن إنشيب يمثل “عالم الرجال” ذي التوجهات اليمينية، وأن ارتباطه برئيس وسطي غير شعبي قد يضر بصورته.
سياق سياسي: تعزيز النفوذ في ظل التحديات
يأتي هذا الاستعراض للقوة في سياق سياسي معقد، حيث يواجه ماكرون تراجعاً في شعبيته وفقداناً لجزء من نفوذه التنفيذي. فبعد دعوته إلى انتخابات برلمانية العام الماضي، تشكلت سلسلة من حكومات الأقلية الضعيفة، مما أضعف قدرته على تنفيذ سياساته.
إضافة إلى ذلك، يسعى ماكرون إلى تعزيز مكانة القوات المسلحة الفرنسية في ظل التهديد الروسي المتصاعد. ويتقاطع هذا الطابع العسكري مع إطلاق برنامج جديد يهدف إلى تشجيع خريجي المدارس على التسجيل في خدمة وطنية تطوعية مدتها 12 شهراً. فيديو التمرين، بالإضافة إلى لقطات لدبابة “لوكلير” الفرنسية وهي تتحرك بسرعة، يعكس هذا التوجه نحو إظهار القوة والصلابة.
كسر الصورة النمطية: مقارنة مع بوتين وترامب
يعمل فريق ماكرون الإعلامي، بقيادة مصورته الشخصية سوزيغ دي لا مويسونيير، على إنتاج مقاطع فيديو مصممة بعناية، تظهر الرئيس الشاب بملابس غير رسمية وهو منخرط في أنشطة ذات طابع رجولي. هذه المحاولات تهدف إلى كسر صورته التقليدية كرجل تكنوقراطي بعيد عن هموم الناس والواقع اليومي.
هذه الإطلالات، التي شملت ارتداء زي طيار مقاتل، وسترات جلدية، وقمصان مفتوحة، وسراويل سباحة، ليست بجديدة على الساحة السياسية العالمية. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين معروف باستعراضاته الجسدية، مثل ركوب الخيل والصيد والجودو والرماية، والتي غالباً ما يظهر فيها عاري الصدر في الطبيعة الروسية. كما ظهر ماكرون خلال الصيف الماضي وهو يقود دراجة مائية بسرعة في مياه البحر الأبيض المتوسط.
التنافس السياسي: مواجهة ترامب
لا تقتصر الرسائل الكامنة وراء هذه الاستعراضات على الداخل الفرنسي أو الساحة الأوروبية فحسب، بل تمتد أيضاً إلى التنافس السياسي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد بدت مصافحة الرجلين في إحدى المناسبات كأنها مباراة في مصارعة الأذرع، في تعبير رمزي عن التنافس بينهما. وقد أقدم ترامب مؤخراً على محاولة للتقليل من شأن ماكرون من خلال تقليد لهجته الفرنسية بأسلوب ساخر.
الخلاصة: استراتيجية مثيرة للجدل
إن استراتيجية الرئيس ماكرون في استعراض القوة البدنية هي محاولة جريئة لتعزيز صورته أمام الرأي العام الفرنسي، واستعادة شعبيته المتراجعة. لكن هذه الخطوة أثارت ردود فعل متباينة، مما يعكس تعقيد المشهد السياسي والإعلامي في فرنسا. سواء نجحت هذه الاستراتيجية أم لا، فإنها تظل موضوعاً للنقاش والتحليل، وتثير تساؤلات حول دور الصورة الشخصية في السياسة الحديثة. هل تعتقد أن هذه الاستعراضات ستؤثر إيجاباً على شعبية الرئيس ماكرون؟ شارك برأيك في التعليقات!
