خلال أكثر من ثلاث سنوات منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، شهدنا تحولاً ملحوظاً في التحالفات الجيوسياسية، وبرزت كوريا الشمالية كلاعب رئيسي وأحد أهم حلفاء موسكو. لم يقتصر دور بيونغ يانغ على توفير الذخيرة والأسلحة الضرورية للجيش الروسي، بل تعداه إلى إرسال قوات عسكرية للمشاركة في القتال، مما يجعلها شريكاً أساسياً في دعم المجهود الحربي الروسي. هذا التحالف المتنامي له تداعيات عميقة على مستقبل الصراع في أوكرانيا والتوازن الاستراتيجي في المنطقة.
الدعم العسكري الكوري الشمالي لروسيا: تطورات وتداعيات
بدأ التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا في وقت مبكر من الحرب، وتصاعد بشكل ملحوظ مع مرور الوقت. أولى بوادر هذا الدعم ظهرت في أواخر عام 2022 وبداية 2023 من خلال شحنات كبيرة من الذخيرة والمواد الحربية الأخرى. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ففي خريف عام 2024، بدأت تقارير غربية في الحديث عن نشر قوات عسكرية كورية شمالية على الأراضي الروسية.
حجم القوات المنتشرة ومهامها
تشير التقديرات الغربية إلى أن كوريا الشمالية أرسلت بين 14 ألفاً و15 ألف جندي للقتال إلى جانب القوات الروسية. يتكون الجزء الأكبر من هذه القوات من عناصر من وحدة القوات الخاصة النخبوية المعروفة بـ “الفيلق الـ11 للجيش الشعبي الكوري” أو “فيلق العاصفة”، وهي وحدة متخصصة في عمليات التسلل والتخريب.
حتى الآن، اقتصرت عمليات انتشار هذه القوات على منطقة كورسك غرب روسيا، حيث ساهمت في استعادة السيطرة على الأراضي التي تقدمت إليها القوات الأوكرانية في هجومها المضاد خلال شهر أغسطس 2024. ومع ذلك، أظهرت التقارير أن هذا النجاح جاء بثمن باهظ، حيث تكبدت القوات الكورية الشمالية خسائر فادحة، تقدر بأكثر من 6000 قتيل وجريح حسب وزارة الدفاع البريطانية.
الدعم اللوجستي وقوة العمل
بالإضافة إلى القوات العسكرية، قدمت كوريا الشمالية دعماً لوجستياً كبيراً لروسيا، شمل إرسال آلاف العمال المدنيين للمساعدة في جهود الحرب. ففي يونيو 2025، وافق كيم جونغ أون على إرسال حوالي 5000 عامل بناء و1000 مهندس عسكري إلى منطقة كورسك للمساعدة في إزالة الألغام وتنفيذ مهام لوجستية أخرى.
أنواع الأسلحة المقدمة من كوريا الشمالية لروسيا
لم يقتصر الدعم الكوري الشمالي على الذخيرة والقوات البشرية، بل امتد ليشمل مجموعة واسعة من الأسلحة والمعدات العسكرية. فمنذ أغسطس 2023، بدأت كوريا الشمالية في شحن كميات كبيرة من الصواريخ الباليستية، والمدفعية بعيدة المدى، وأنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق، بالإضافة إلى ملايين القذائف والطلقات.
الاعتماد المتزايد على الذخيرة الكورية الشمالية
تقدر وكالة الاستخبارات الدفاعية الكورية الجنوبية أن كوريا الشمالية زودت روسيا بأكثر من 12 مليون قذيفة مدفعية حتى الآن. وقد وصلت الأمور إلى حد اعتماد بعض الوحدات الروسية بشكل شبه كامل على الذخيرة المصنوعة في كوريا الشمالية، وذلك بسبب النقص الحاد في الذخيرة المحلية. وتشير التقديرات الأوكرانية إلى أن كوريا الشمالية تزود روسيا بنحو نصف قذائف المدفعية التي تستخدمها.
صواريخ وقدرات متطورة
تشمل الأسلحة التي قدمتها كوريا الشمالية لروسيا صواريخ باليستية قصيرة المدى من طراز “كي إن 23″، والتي يُعتقد أنها قادرة على حمل رؤوس نووية. كما قامت بتزويد روسيا بمدافع “هاوتزر دي 74” ومدافع ذاتية الدفع. والأهم من ذلك، أن هناك اتفاقيات بين البلدين لبدء إنتاج الطائرات بدون طيار في كوريا الشمالية، والتي تستخدمها روسيا في استهداف المراكز السكانية. هذه التطورات تشكل تهديداً متزايداً لأوكرانيا والمنطقة.
تبادل الخبرات والتحديث العسكري المتبادل
لا يمثل الدعم الكوري الشمالي لروسيا عملية من طرف واحد، بل يشمل أيضاً تبادلاً للخبرات والمعرفة العسكرية. فمن خلال مشاركة قواتها في القتال على الأراضي الروسية، حصل الجيش الكوري الشمالي على فرصة ثمينة للتعلم واكتساب الخبرات في بيئة قتالية حديثة. وقد أظهرت القوات الكورية الشمالية قدرة ملحوظة على التكيف مع تكتيكات الحرب الحديثة، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة، مما دفع الجيش الأوكراني إلى تعديل استراتيجيته في منطقة كورسك.
وبالمقابل، قدمت روسيا لكوريا الشمالية المعرفة والوسائل اللازمة لتحديث قدراتها العسكرية. فمن خلال نقل التكنولوجيا والمساعدة في تطوير البرامج العسكرية الكورية الشمالية، ساهمت روسيا في تعزيز القوة العسكرية لبيونغ يانغ. وقد انعكس ذلك على استعراض كيم جونغ أون للتكنولوجيا العسكرية الجديدة، مثل إطلاق أكبر مدمرة بحرية وإجراء اختبارات لصواريخ متطورة. هذا التعاون العسكري يثير مخاوف كبيرة في كوريا الجنوبية، التي تحذر من أن هذا التعميق في العلاقة بين موسكو وبيونغ يانغ يهدد بزعزعة التوازن العسكري في شبه الجزيرة الكورية.
الخلاصة
لقد أصبحت كوريا الشمالية شريكاً أساسياً لروسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث قدمت دعماً عسكرياً ولوجستياً كبيراً ساهم في استمرار المجهود الحربي الروسي. هذا التحالف المتنامي له تداعيات عميقة على مستقبل الصراع في أوكرانيا وعلى التوازن الاستراتيجي في المنطقة. من المهم متابعة تطورات هذا التعاون عن كثب، وفهم الآثار المترتبة عليه على الأمن الإقليمي والدولي. ماذا ستكون الخطوة التالية في هذا التحالف المتنامي؟ وهل ستؤدي هذه الشراكة إلى المزيد من التصعيد في الحرب؟ هذه أسئلة تتطلب تحليلاً دقيقاً ومتابعة مستمرة.
