تستعد شبكة «نتفليكس» لعرض الفيلم الوثائقي «كليوباترا» الذي تقوم ببطولته الممثلة البريطانية السمراء أديل جيمس الأسبوع المقبل، وسط معارضة رسمية وقانونية وأكاديمية مصرية. وفي حين التزمت المنصة العارضة الصمت تجاه هذا الجدل، أشارت جيمس في مقال صحافي كتبته في مجلة أميركية إلى أن اختيارها تم لأن الشخصية المطلوبة لتجسيد الملكة الشهيرة تطلبت «الجمع بين الجمال والقوة».
وكان ظهور الملكة كليوباترا التي حكمت مصر في فترة بعد وفاة الإسكندر الأكبر 323 قبل الميلاد وحتى الحكم الروماني 30 قبل الميلاد، ببشرة سمراء في العمل الدرامي المقرر، قد أثار حالة من التحفظات داخل مصر، باعتبارها مخالفة للواقع من جهة؛ كونها يونانية الأصل، وامتداداً لمعركة جرت في فبراير الماضي مع المغني الأميركي كيفن هارت المناصر لفكرة المركزية الإفريقية، والتي تسببت في إلغاء حفلته التي كان مقرراً إقامتها بالقاهرة.
وأصدرت وزارة السياحة والآثار المصرية بياناً رسمياً في 27 أبريل الماضي قالت فيه، إن «ظهور البطلة بهذه الهيئة يعد تزييفاً للتاريخ ومغالطة صارخة، لا سيما أن الفيلم مصنف وثائقياً وليس عملاً درامياً؛ الأمر الذي ألزم القائمين على صناعته ضرورة تحري الدقة والانتباه إلى الحقائق التاريخية والعلمية، بما يتضمن عدم تزييف تاريخ وحضارات الشعوب». وأضاف البيان: «كان يجب الرجوع إلى متخصصي علم الآثار والأنثروبولوجيا عند صناعة مثل هذه الأفلام الوثائقية والتاريخية التي ستظل شاهدة على حضارة وتاريخ الأمم، وأن هناك العديد من الآثار الخاصة بالملكة كليوباترا مثل التماثيل والعملات المعدنية التي تظهر الشكل والملامح الحقيقية لكليوباترا، وتظهر الملامح الهلنستية لها، حيث البشرة فاتحة والأنف مسحوبة والشفاه رفيعة».
من جهتها قالت خبيرة الأشعة التشخيصية سحر سليم لـ«الإندبندنت عربية»، إن «المصري القديم لم يكن يهتم بلون البشرة، ولا بالاختلافات في السمات والملامح المظهرية بين البشر، حيث كان يتمتع بقيم حضارية متقدمة ترفض التمييز العنصري». وأضافت سليم «أنه من الناحية التشريحية فإن الاختلاف في الملامح الخاصة عند المصري القديم شبيهة تماماً بما هو موجود اليوم، فمثلاً هناك تفاوت ما بين الأنف العريضة والشفاه الغليظة عند الملكة تويا، حماة الملك أمنحتب الثالث، وبين زوجها لويا الذي كان يحمل ملامح وجه دقيقة».
وقالت الباحثة مونيكا حنا: «إن الإنتاج المعرفي لحضارة مصر القديمة ظل مقتصراً على الدوائر الغربية، باستثناء بعض المحاولات مثل موسوعة سليم حسن، وفي أواخر السبعينيات بدأت دول معادية لمصر تقديم منح لأمناء المتاحف في الغرب لإعادة كتابة التاريخ المصري القديم من منظور المركزية الإفريقية».
وحول هوية كليوباترا قالت حنا: «كليوباترا ولدت وعاشت في مصر، وحكمت مصر، وكانت أول حاكم بطلمي يتعلم المصرية القديمة كي تفهم شعبها، وبنت معابد للآلهة اليونانية ومعابد للآلهة المصرية».
وقال الكاتب الصحافي عبدالجليل الشرنوبي إن «ماكينات صناعة الوعي تسير بالإنسانية صوب محطات التشتيت والتفتيت والإرباك ليصبح على إنسان زماننا أن توقظه يومياً معارك موزعة بين تلك التي عمادها الفرقة ووقودها الفتنة وزينتها الوقيعة بين بني الإنسان».
على صعيد مقابل، دافعت مخرجة فيلم كليوباترا، تينا غرافي في مقال نشرته مجلة «فاريتي» عن اختيارها للسمراء أديل جيمس وقالت إنها «بعد جلسات كثيرة وجهد جهيد اختارت جيمس». وقالت أيضاً إنها «ظلت تبحث عن ممثلة ليست بيضاء جداً مثل إليزابيث تايلور التي مثلت الدور في فيلم أنتج عام 1963». وتساءلت: «لماذا يجب ألا تكون كليوباترا سوداء، ولماذا يريد البعض أن تكون بيضاء». وتابعت غرافي: «أما في ما يتعلق باختيار جيمس فهي مناسبة لأنها مطلوبة ألا تمثل جمال كليوباترا فقط؛ بل قوتها أيضاً».
واشتبكت الممثلة جيمس التي درست في جامعة بريستول وتكتب السيناريوهات إضافة إلى عملها ممثلة، مع معارضي الفيلم على شبكات التواصل الاجتماعي، وقالت في تغريدة على حسابها على تويتر: «على من لا يروقهم الفيلم أن يمتنعوا عن مشاهدته لكن ليس من حقهم أن يعلقوا عليه سلباً»، كما كتبت في تغريدة أخرى: «للعلم لن أتسامح مع أي تجاوز على حسابي، سوف أقوم بإغلاق صاحبه فوراً، إذا لم يعجبك الفيلم لا تتفرج عليه».
على الصعيد القانوني رفع المحامي بالنقض، وعضو اتحاد المحامين الأجانب في ألمانيا، عمرو عبدالسلام، دعوى قضائية بمجلس الدولة، لإلزام الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية المصرية باتخاذ كافة الإجراءات الدبلوماسية، والتواصل مع المنظمات الدولية المعنية، واتخاذ إجراءات التقاضي الإقليمي والدولي أمام جهات القضاء الأميركي، لوقف بث وإذاعة «الفيلم الوثائقي كليوباترا» المعروض على منصة «نتفليكس»، ومطالبة المنصة وصناع الفيلم بدفع التعويضات المالية للحكومة والشعب المصريين نتيجة الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بهما بسبب إنتاج هذا الفيلم.