مستقبل غزة: هل نشهد بناء “المنطقة الخضراء” تحت السيطرة الإسرائيلية؟
تشهد الأوضاع في قطاع غزة تطورات جديدة ومثيرة للجدل، حيث كشفت قناة “i24” العبرية عن تحضيرات أولية لبناء مدينة جديدة للفلسطينيين في شرق رفح، تحت السيطرة الإسرائيلية، أُطلق عليها اسم “المنطقة الخضراء”. هذا المشروع، الذي يهدف ظاهرياً إلى توفير منطقة آمنة ومستقرة لسكان القطاع، يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل غزة وعلاقتها بإسرائيل، ويأتي في ظل جهود إقليمية ودولية لإيجاد حلول مستدامة للأزمة الإنسانية المتفاقمة. وتتضمن هذه الجهود إعادة إعمار القطاع وتأمين مستقبل أبنائه بعيداً عن الصراعات.
تفاصيل “المنطقة الخضراء” ومفهوم “غزة الجديدة”
وفقاً لتقرير القناة العبرية، من المتوقع أن تتكثف الجهود لبناء هذه المدينة في الأسبوع المقبل. ويشير التقرير بشكل خاص إلى أن سكان المدينة الجديدة سيكونون من أبناء غزة، لكن مع استبعاد أي عناصر تابعة لحركة حماس. يأتي هذا التمييز في إطار خطة إسرائيلية أعمق، تتضمن تقسيم غزة فعلياً إلى منطقتين متميزتين: “غزة القديمة” التي تسيطر عليها حماس، و”غزة الجديدة” التي ستخضع لإعادة إعمار مكثفة، وستنتشر فيها قوات استقرار دولية، مع سيطرة إسرائيلية على ما لا يقل عن 53% من مساحة القطاع الواقعة أسفل “الخط الأصفر”.
هذا “الخط الأصفر” يعتبر من النقاط الهامة في السياق الجغراسياسي للمنطقة، حيث يعبر عن الحدود التي تسعى إسرائيل لفرض سيطرتها عليها، الأمر الذي أثار استياءً كبيراً داخل بعض الدوائر السياسية الإسرائيلية.
غضب إسرائيلي من الخطة ومخاوف أمنية
لم تلقَ خطة بناء “المنطقة الخضراء” قبولاً واسعاً داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها. فقد أعرب العديد من الوزراء، أعضاء المجلس الأمني المصغر (الكابينيت)، عن غضبهم الشديد من المشروع، معبرين عن مخاوفهم من أن يؤدي البناء في هذه المنطقة إلى تعريض البلدات الإسرائيلية المجاورة للخطر. حيث أكدوا على ضرورة عدم المساس بالخط الأصفر، وهو ما يعتبرونه ضمانة أساسية لأمنهم.
الاستعدادات الميدانية ودور القوات الأجنبية
بالتوازي مع الجدل السياسي، تشير التقارير إلى وجود استعدادات ميدانية مكثفة لتنفيذ هذه الخطة. فقد ذكرت هيئة البثّ العام الإسرائيلية (“كان 11”) أن إسرائيل تستعد لإدخال آليات ثقيلة إلى رفح بهدف البدء بعملية إخلاء واسعة للركام، بهدف “تهيئة الأرض لإقامة منطقة إنسانية جديدة خالية من عناصر حماس”.
ويعتبر هذا الإجراء بمثابة خطوة عملية نحو تنفيذ الرؤية التي تتبناها إسرائيل لمستقبل غزة. وبحسب المخطط الأميركي، فإن المرحلة التالية ستشهد “عمل قوة عسكرية أجنبية في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل جزئياً”، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة هذه القوة ودورها المحتمل في إدارة المنطقة. كما أن جيش الاحتلال قد أبلغ “ميليشيات مسلّحة تعمل بتنسيق مع إسرائيل” بالخطوات المرتقبة.
التنسيق مع الفصائل المحلية والضغوط الدولية
يبرز في هذا السياق التنسيق الإسرائيلي مع بعض الفصائل المحلية في غزة، وهو ما يمثل تجسيداً لسياسة “فرق تسد” التي تتبعها إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين. هذا التنسيق، بالإضافة إلى الدعم المحتمل من بعض الدول، قد يساهم في تسهيل عملية تنفيذ المشروع، على الرغم من المعارضة الفلسطينية الواسعة المحتملة.
إضافةً إلى ذلك، يظهر أيضاً حجم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على إسرائيل فيما يتعلق بإعادة الإعمار وفتح معبر رفح، حيث تتزايد تقارير عن “فقدان صبر” واشنطن، وربطها لموضوع الإعمار بملف الجثث الفلسطينية المحتجزة في إسرائيل. هذا الربط يعكس تعقيد المشهد السياسي والأمني في غزة، ويظهر مدى تأثير المصالح الإقليمية والدولية على مستقبل القطاع.
مستقبل غزة: بين إعادة الإعمار والسيطرة الأمنية
تعتبر خطة “المنطقة الخضراء” بمثابة محاولة إسرائيلية لإعادة تشكيل مستقبل قطاع غزة، وفرض رؤيتها الخاصة للأمن والاستقرار في المنطقة. ولكن، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن بناء مستقبل مستدام لغزة تحت السيطرة الإسرائيلية؟ وهل ستتمكن هذه الخطة من حل الأزمة الإنسانية المتفاقمة، أم أنها ستزيد من تعقيد الوضع وتأجيج الصراع؟
من الواضح أن نجاح هذه الخطة يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك: التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين، وتوفير الدعم المالي والإنساني اللازم لإعادة الإعمار، وضمان أمن السكان، وتحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية. كل هذه التحديات تتطلب جهودًا مكثفة وتعاونًا إقليميًا ودوليًا، وهو ما يبدو مفقودًا في الوقت الراهن.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يظل مستقبل غزة معلقًا بين الأمل واليأس، بين إعادة الإعمار والسيطرة الأمنية، وبين البحث عن حلول مستدامة للأزمة الإنسانية، وبين استمرار الصراع الدائم.
كلمات مفتاحية فرعية مستخدمة: إعادة الإعمار، الأزمة الإنسانية، المجلس الأمني المصغر.
