بغض النظر عن سلبيات وإيجابيات سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في ما يتعلق بالحروب الدائرة حالياً، سواء في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، فقد بات من الواضح أن الولايات المتحدة تستهلك صواريخها مع تقديمها مساعدات لحلفائها بوتيرة تفوق إمكاناتها على إنتاج هذه الصواريخ.
ولهذا ترى الجهات العاملة في إنتاج الصواريخ، أن مخزون واشنطن من الصواريخ لم يعد كافياً في حال تورطها في صراع مع دول قوية.
ويبدو ذلك جلياً من حقيقة أن هذا المخزون وقذائف المدفعية الأميركية بات «محرجاً» لتزويد أوكرانيا بما تحتاج إليه، لجعل أنظمتها الدفاعية الصاروخية قادرة على حماية أجوائها.
وبالفعل فإن عجز الولايات المتحدة وحلفائها من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، عن توفير ما يكفي من صواريخ «أرض-جو»، جعل من السهل على روسيا تدمير الأهداف العسكرية الأساسية في أوكرانيا، ناهيك عن إصابة البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بالشلل.
المخزون
وعلى الرغم من أن مخزون أميركا من الصواريخ الهجومية والدفاعية لن ينفد في يوم وليلة، وأن حكومتها لم تفصح عن تعداد الصواريخ التي قدمتها لأوكرانيا، والتي تساوي قيمتها مليارات الدولارات من طراز «ناسام» و«هوك» و«باتريوت»، إلا أننا نعرف أنها غير كافية، ونعرف أيضاً أنه سيتم إنتاج 740 صاروخ «باترويت» من طراز «باك-2» و«باك-3» من قبل شركتي «لوكهيد مارتن» و«رايثيون» الأميركيتين بحلول عام 2025، وسيرتفع الإنتاج نظرياً إلى 1100 صاروخ تقريباً بحلول عام 2027.
وتبدو هذه الأرقام أنها كبيرة، لكن منذ 22 فبراير 2022، واجهت أوكرانيا هجمات من آلاف طائرات الـ«درون» والصواريخ. وإضافة إلى ذلك، ففي الوقت الذي أدت حرب واشنطن بالوكالة ضد روسيا إلى إرهاق مواردنا، يمكن أن تؤدي أي حرب مع الصين إلى زيادة احتراق الصواريخ الأميركية التي يتم إطلاقها من السفن بمعدل 10 أضعاف مما يجري الآن في حروب واشنطن الأخرى، واعتباراً من فبراير 2024، استخدمت البحرية الأميركية ما لا يقل عن 100 من صواريخها من الفئة القياسية في البحر الأحمر.
وفي يوليو 2024، كشف أحد التقارير أن مجموعة السفن الحربية المرافقة لحاملة الطائرات «دوايت إيزنهاور» استخدمت 155 صاروخاً قياسياً، و135 صاروخ «هوك»، و60 صاروخ «جو-جو»، إضافة إلى 420 صاروخ «جو-أرض»، وكل ذلك لا يتضمن الصواريخ المستخدمة من قبل السفن الحربية الأخرى في الفترة ذاتها.
أرقام متحفظة
ولا ندري كم عدد الصواريخ التي تم استخدامها حتى وقتنا الحالي، لكن هذه الأرقام التي تم الإفصاح عنها على الملأ، تعتبر أرقاماً متحفظة للغاية. وإضافة إلى ذلك، فإننا لا نعرف بالضبط مستويات المخزون الدقيقة للأسلحة المهمة، حيث يمكن أن تكون مثل هذه المعلومات ذات فائدة كبيرة لأعداء الولايات المتحدة. غير أنه وفقاً لتقرير صادر عن «مؤسسة هيريتاج» الأميركية، فإنه حتى عام 2023، اشترت وزارة الدفاع الأميركية 12 ألف صاروخ من طراز «س م-2»، و400 صاروخ قياسي من طراز «س م-3»، الذي يعترض القذائف والصواريخ قبل أن تصيب هدفها، ويراوح سعره بين 13 إلى 28 مليون دولار، كما اشترت 1500 صاروخ قياسي من طراز «س م-6» و9000 صاروخ من طراز «توماهوك» للهجمات الأرضية.
وخلال الفترة ذاتها، أنفقت البحرية الأميركية ملايين الدولارات على ما لا يقل عن 2800 صاروخ قياسي و2900 صاروخ هجوم أرضي، وهذه الأرقام لا تشمل النفقات في العام الماضي.
احتياطات واشنطن
ولتسليط المزيد من الضوء على ما تبدو عليه احتياطات واشنطن الحالية من الصواريخ، تشير تقديرات صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى أنه عند الأخذ في الاعتبار التدريبات وخروج الأسلحة القديمة من الخدمة، لم يتبقَّ سوى نحو 4000 صاروخ باليستي عابر للقارات حتى عام 2020، ومنذ ذلك الحين أنتجت الولايات المتحدة 250 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات.
ونتيجة لذلك، ومع استهلاك أعداد كبيرة من صواريخ الهجمات الأرضية، وصواريخ «س م-2» وغيرها من صواريخ «س م» في عامي 2023 و2024، يستمر استنفاد مخزون صواريخ الولايات المتحدة.
القاعدة الصناعية
وبعبارة أخرى، فإن جميع السفن الحربية الأميركية، باستثناء أربع مجموعات صواريخ الدفاع الجوي القصيرة المدى، يمكنها أن تحمل 10 آلاف صاروخ في أنظمة الإطلاق العمودية التي يمكن استخدامها للدفاع عن مناطق واسعة أو شن هجمات بعيدة المدى.
وبناء عليه، بمجرد استهلاك كامل عدد الصواريخ التي تطلقها أنظمة الإطلاق العمودية لدى الولايات المتحدة، فإنها ستفتقر إلى نحو 3000 صاروخ حتى تتمكن من تجديد حمولة هذه السفن من الصواريخ بالكامل.
ونظراً إلى استنزاف قاعدة واشنطن للصناعات الدفاعية، يبدو أنه من الواضح أن علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لمنع التصعيد في الصراعات الحالية، وبدلاً من ذلك يجب العمل من أجل تحقيق السلام الحقيقي والمستدام في جميع أنحاء العالم.
. مخزون واشنطن من الصواريخ لم يعد كافياً في حال تورطها بصراع مع دول قوية.
مايك فرينبيرغ*
*كاتب أميركي متخصص في سياسة الدفاع. عن «رسبنسبل ستيت كرافت»