هزّت كارثة حريق مجمع سكني في هونغ كونغ المدينة بأكملها، مخلفةً وراءها دمارًا واسعًا وخسائر فادحة في الأرواح. فقد أعلنت السلطات عن وفاة 128 شخصًا على الأقل، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم المأساوي، حيث لا يزال مصير 200 آخرين مجهولاً. هذا حريق هونغ كونغ المدمر، الذي يعتبر الأسوأ منذ حوالي 80 عامًا، أثار موجة من الحزن والغضب، وأدى إلى فتح تحقيقات مكثفة للكشف عن ملابساته والأسباب التي أدت إليه.
تفاصيل مأساة حريق هونغ كونغ
اندلع الحريق الهائل في مجمع “وانغ فوك كورت” الواقع بمنطقة “تاي بو” الشمالية بعد ظهر الأربعاء الماضي. وسرعان ما امتدت النيران إلى سبعة من ثمانية أبراج سكنية شاهقة الارتفاع تصل إلى 32 طابقًا، وكانت هذه الأبراج تخضع لأعمال ترميم واسعة النطاق.
أسباب الحريق الأولية والتحقيقات الجارية
تشير التحقيقات الأولية إلى أن أعمال الترميم، التي استخدمت سقالات من الخيزران وشبكات خضراء لتغطية المباني، قد تكون ساهمت في انتشار النيران بسرعة. كما أثارت الشكوك حول استخدام مواد غير آمنة خلال هذه الأعمال تساؤلات حول مدى الالتزام بمعايير السلامة. وقد ألقت السلطات القبض على 11 شخصًا حتى الآن، في إطار التحقيقات التي تركز أيضًا على احتمال وجود فساد متعلق بمنح تراخيص أعمال الترميم. وصرح رئيس جهاز الأمن في هونغ كونغ، كريس تانغ، بأنه لا يُستبعد العثور على المزيد من الجثث أثناء قيام الشرطة بتحقيقات مفصلة داخل المبنى.
خلل في أنظمة الإنذار
من الأمور المقلقة التي كشفتها التحقيقات أيضًا، هو أن أجهزة الإنذار من الحريق في المجمع لم تكن تعمل بشكل صحيح. هذا الخلل في الأنظمة الحيوية قد يكون منع السكان من الاستجابة السريعة للحريق، وبالتالي ساهم في ارتفاع عدد الضحايا. السلطات تعمل الآن على فحص جميع المباني المماثلة في هونغ كونغ للتأكد من سلامة أنظمة الإنذار فيها.
ردود الفعل الرسمية والشعبية على الحريق
أعرب رئيس السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، جون لي، عن حزنه العميق للمأساة، وأعلن عن تخصيص صندوق طوارئ بقيمة 300 مليون دولار هونغ كونغ (حوالي 39 مليون دولار أمريكي) لمساعدة المتضررين من الحريق في تاي بو. كما أعلنت بعض الشركات الصينية الكبرى عن تقديم تبرعات مالية للمساهمة في جهود الإغاثة.
وقد قام رئيس السلطة التنفيذية ومسؤولون وموظفون مدنيون بالوقوف لمدة ثلاث دقائق في صمت أمام مكاتب الحكومة المركزية، حدادًا على الضحايا، وتم تنكيس الأعلام تعبيرًا عن الحزن. كما تم وضع دفاتر تعازي في 18 موقعًا في أنحاء هونغ كونغ، لإتاحة الفرصة للجمهور للتعبير عن تعازيهم ومواساتهم.
تعازي دولية في ضحايا حريق هونغ كونغ
لم تقتصر ردود الفعل على المستوى المحلي، بل تلقت هونغ كونغ تعازي من مختلف دول العالم. ومن بين هذه التعازي، البيان الذي أصدره الملك تشارلز ملك بريطانيا، والذي أعرب فيه عن “خالص التعازي إلى جميع من فقدوا ذويهم، وإلى أولئك الذين يعيشون الآن في حالة من الصدمة والذهول”. هذا الحريق المأساوي سلط الضوء على التضامن الدولي في مواجهة الكوارث.
حصيلة الضحايا وتحديات التعرف على الجثث
حتى الآن، لم يتم التعرف إلا على 39 من الضحايا الـ 128. وتواجه السلطات تحديات كبيرة في عملية التعرف على الجثث، نظرًا لحروقها الشديدة. يتم استخدام تقنيات الحمض النووي للمساعدة في تحديد هوية الضحايا، ولكن هذه العملية تستغرق وقتًا طويلاً. الكارثة في هونغ كونغ تفرض على السلطات تسريع الجهود لتحديد هوية جميع الضحايا وتقديم الدعم اللازم لأسرهم.
الكثافة السكانية وأزمة الإسكان في هونغ كونغ
هذا الحريق دفع إلى تسليط الضوء على قضايا الكثافة السكانية وأزمة الإسكان في هونغ كونغ. تعتبر هونغ كونغ واحدة من أكثر مدن العالم اكتظاظًا بالسكان، وتنتشر فيها مجمعات سكنية شاهقة الارتفاع، بينما أسعار العقارات هناك مرتفعة للغاية، مما يثير سخط السكان. هذه الظروف تزيد من خطورة الكوارث مثل الحرائق، وتجعل من الضروري اتخاذ إجراءات وقائية أكثر صرامة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الحادث إلى إعادة تقييم وتبني سياسات جديدة تتعلق بمعايير السلامة وإدارة المباني.
أهمية الوقاية من الحرائق في المباني المرتفعة
في الختام، إن الحريق في هونغ كونغ يمثل مأساة وطنية ومصدر حزن عميق للجميع. يجب أن يكون هذا الحادث بمثابة جرس إنذار لضرورة مراجعة وتحديث أنظمة السلامة في جميع المباني المرتفعة، والتركيز بشكل خاص على الوقاية من الحرائق والتأكد من فعالية أنظمة الإنذار والإطفاء. كما أنه يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الحكومة والمطورين العقاريين والسكان لضمان سلامة الجميع. لا يمكننا أن نسمح بتكرار هذه الكارثة المروعة.
