تحدثت صحيفة هآرتس العبرية، في تقرير لها اليوم الإثنين، 04 نوفمبر 2024، عن الكارثة الإنسانية التي يعيشها المواطنون الفلسطينيون شمال قطاع غزة .
يأتي ذلك، في وقت دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الـ395 على التوالي، بينما تتواصل العلمية العسكرية في محافظة شمال قطاع غزة التي تتعرض لإبادة وتطهير عرقي منذ 30 يوما.
وفي تقرير حمل عنوان “حصار داخل حصار”، تقول الصحيفة العبرية: في 18 أكتوبر/ تشرين أول الماضي تم قصف مبنى في الفالوجا بمخيم جباليا وكان بداخله 32 فلسطينيا نجا بعضهم بصعوبة وطلبوا المساعدة لمن هم تحت الأنقاض .. تدخل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) وحاول الدخول للمكان لكن تم رفض طلبه تماما كما جرى مع عشرات الطلبات التي قدمت الشهر الماضي
وكان الجيش الإسرائيلي يبلغ المنظمة الأممية أنه لم يعد هناك أي جدوى من الذهاب إلى المكان لأن احتمال بقاء أي من المحاصرين على قيد الحياة هو صفر
وتقول الصحيفة: حتى هذا اليوم لم ينشر الجيش الإسرائيلي سبب مهاجمته للمبنى في الفالوجا ولم يزعم أن أيا من ضحايا الهجوم كان عضوا في حماس
يقول يورغوس بترويولوس مسؤول المنظمة الأممية بغزة: هناك كارثة إنسانية كبيرة في شمال قطاع غزة .. يرفض الجيش الإسرائيلي السماح بإدخال المساعدات ويقصف بشكل يومي .. سقط العشرات من القتلى يوميا ومنذ 3 أسابيع لا تتوقف الهجمات يوميا .. هناك استخدام واضح للمساعدات الإنسانية كسلاح ضد المدنيين هناك
تقول هآرتس: بالفعل هناك اليوم ثلاث دوائر حصار في قطاع غزة تخضع لقيود مختلفة: أولا: القطاع بأكمله محاصر، فلا يدخله أو يخرج منه إلا بإذن الجيش .. ويفرض حصار آخر على شمال قطاع غزة بأكمله من منطقة وادي غزة إلى الشمال ما في ذلك مدينة غزة ومخيمات اللاجئين والمناطق الأخرى .. وفرض الجيش مطلع الشهر الماضي حصارا آخر وأشد شمال قطاع غزة وتحديدا في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون .. وصف مسؤول أممي كبير ذلك بأنه “حصار داخل حصار داخل حصار”
تضيف الصحيفة: يبقى في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون ما بين 75 إلى 90 ألف مواطن لا يستطيعون أو لا يريدون المغادرة على الرغم من مطالبة الجيش الإسرائيلي بالانتقال جنوبا
يقول بتروبولوس: عندما يُسأل الباقون عن سبب بقائهم، يجيبون: من الصعب العيش هنا ومن الصعب العيش هناك (جنوب الحصار) لكنني هنا على الأقل لا أعيش في خيام .. لا يعني ذلك أن المنازل في المنطقة سليمة لكن في منطقة رفح ينام الناس تحت النايلون في ظروف قاسية
قال أحد سكان المنطقة المحاصرة الذي يرفض المغادرة لصحيفة “هآرتس”: نفضل أن نموت في جباليا ولا نعيش في الخيام ونتعرض للإذلال .. كانت هناك مناقشات صعبة حول ما يجب فعله مع الأطفال وهل يجب الانفصال عنهم لكننا سنبقى معا ونموت بكرامة وأيضا من سيضمن لنا أننا لن نتعرض للقصف أو إطلاق النار فور مغادرتنا؟ لا يوجد مكان آمن في غزة، كل التصريحات حول ممر آمن أو منطقة إنسانية هي أكاذيب .. الناس لا يفهمون مدى خطورة التنقل من مكان إلى آخر داخل القطاع.
ونشرت هآرتس شهادات للعديد من المواطنين حول ما يجري في شمال قطاع غزة معهم من حصار خانق ومحاولة إجبارهم على النزوح جنوبا، لكنهم يصرون على البقاء هناك.
وتقول الصحيفة: تصريح الدخول الوحيد إلى المنطقة المعزولة كان مخصصا لسيارات الإسعاف التي وصلت لنقل المرضى المصابين بأمراض خطيرة من المستشفيات الموجودة هناك إلى المستشفى في مدينة غزة، وهذا النقل يتطلب تنسيقا معقدا مع مقر تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية، وبعد ذلك تذهب قافلة إلى المستشفيات، وتحمل المرضى في سيارات الإسعاف وتعود جنوبا، ويطلب منها التوقف للتفتيش، ويطلب من المسعفين إخراج كل مصاب من سيارة الإسعاف والسير معه مسافة 50 مترا وتقديمه للجنود.
يقول بيتروبولوس: في إحدى المرات عندما قمنا بنقل الجرحى، سألنا الضابط عن سبب عدم قيامنا بإخراج الجرحى من سيارة الإسعاف، قلت له: تعال وانظر، هذه فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات ولديها جرح في رأسها يمكنك من خلاله رؤية دماغها، لكن يبدو أن الطريقة الوحيدة لكي لا تكون إرهابيا في غزة هي أن تكون طفلاً .. لقد تأخرنا لمدة ثلاث ساعات أثناء الفحص، وطوال هذا الوقت واصل المسعف إعطاء الأكسجين للفتاة، لقد نقلناها إلى المستشفى في غزة، لكنني لا أعرف ما إذا كانت قد بقيت على قيد الحياة.
وبالإضافة إلى السماح لسيارات الإسعاف بالدخول، سمح الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي بنقل المواد الغذائية والمعدات الطبية والوقود وعمليات نقل الدم إلى مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، لكن لم يتم قبول جميع طلبات ذلك المستشفى في المنطقة المحاصرة يوجد في المنطقة قسم لغسيل الكلى يعالج حوالي 65 مريضا.
ويعتمد تشغيل آلات غسيل الكلى على الديزل الموجود في المستشفى، ووفقا لبتروبولوس، عندما ينفد الوقود، وهو ما قد يحدث قريبا، سيموت جميع المرضى في الجناح.
وينطبق الشيء نفسه على المرضى المزمنين الآخرين، ويوجد في المستشفى أيضا قسم للعناية المركزة والجهاز التنفسي، ولكن نظرا لعدم وجود سيارات إسعاف مزودة بأجهزة تنفس اصطناعي في القطاع، لا يمكن نقلها إلى مستشفيات أخرى، وهنا يوضح بتروبولوس: سيعيشون أو يموتون في كمال عدوان، ولا يمكنك إخراجهم من هناك”.
وأشار إلى أنه واجه خلال زياراته للمستشفى حالات إصابات ما بعد الصدمة وإصابات نفسية لم يتمكن أحد من علاجها.
وتشير الصحيفة إلى الأعداد المأهولة من الضحايا الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، والذين لا تستطيع أي طواقم طبية أو الدفاع المدني مساعدتهم.
وحول التشكيك الإسرائيلي بأعداد الضحايا، يقول بتروبولوس: على أية حال، هناك عشرات الوفيات يوميا. إذا لم تكن هناك مائة حالة وفاة بل 50 فقط، فهل هذا جيد؟ هل يتناسب قتل 50 شخصا مع قتل شخص واحد؟ .. لقد وقع هجوم وحشي في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن الوحشية مستمرة كل يوم منذ ذلك الحين، وليس ضد الناس فحسب، بل أيضا ضد المكان الذي يعيشون فيه، والمناظر الطبيعية والمباني والطرق”.
قبل نحو ستة أشهر شهد بتروبولوس هجوما في خان يونس استهدف أحد كبار مسؤولي حماس. يتذكر قائلا: بدا الأمر مثل ناغازاكي .. لقد أحصىوا الجثث، لكن كان هناك 70 شخصا تبخروا ببساطة، وعندما قصفوا مواسي في 10 سبتمبر/أيلول، قفزت من السرير، وكان هناك أيضا عشرة أو 20 شخصا قتلوا .. كنت في الخيام قبل الهجوم واختفوا بكل بساطة .. كنت أيضا في المستشفى بعد القصف، وكان يبدو وكأنه مسلخ، وكانت الدماء في كل مكان.
ويعمل بتروبولوس، وهو مواطن يوناني يعيش مع عائلته في الأردن، في مجال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم منذ حوالي 20 عاما، 14 منها عبر الأمم المتحدة، وقد زار دارفور وأفغانستان واليمن وليبيا ودول أخرى، وهو موجود في القطاع منذ شهر يناير، ويبقى هناك لمدة أربعة أو خمسة في الشهر الواحد، ووفقا له، فإن الفرق بين مناطق الحرب الأخرى في العالم وغزة هو أنه لا يوجد مكان آمن في غزة.
ويؤكد: لا يوجد شيء اسمه منطقة إنسانية في غزة .. كل مكان يمكن أن يتعرض لإطلاق النار من أي اتجاه طوال الوقت .. الناس هنا يتعرضون للهجمات في كل مكان وحتى في المواصي التي توصف أنها آمنة .. هذا يجعل كل شيء مأساويا للغاية .. عليك أن تتخيل ماذا سيحدث لو قُتل 60 مدنيا في أوكرانيا كل يوم.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يعامل الموظفين الأممين بطرق مهينة، ويجعلهم ينتظرون التنسيق لساعات من أجل دخولهم رغم أنهم يحصلون على تنسيق مسبق.
ويقول بيتروبولوس إن القطاع بأكمله تفوح منه رائحة الجثث المتعفنة المنبعثة من الأنقاض التي دفن الناس تحتها، وأن الكلاب البرية تتجول وأعضاء بشرية في أفواهها، ونجمع جثث أشخاص قتلوا من الطرق التي نمر بها ولا أحد يستطيع الوصول إليها ونسلمها للصليب الأحمر.