دخلت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي» أسبوعها الثالث دون بزوغ بارقة أمل لتوقف قريب للصراع رغم أنها تخللتها أكثر من هدنة إنسانية لتمكين المدنيين من تأمين حاجياتهم، والمرضى والجرحى من تلقي العلاج، ووصول المساعدات الأممية إلى مستحقيها.
ولا يبدو أن الوساطات الإقليمية والدولية قادرة على تحقيق اختراق سياسي حتى الآن، ما يوحي بطول أمد الحرب، وزيادة معاناة المدنيين، مع عجز واضح لكلا الطرفين المتحاربين على حسم الصراع لصالحه.
ونحاول عبر هذا الملف تسليط الضوء على أهم معوقات التوصل الى اتفاق سياسي بين البرهان ودقلو والنتائج «الكارثية» المحتملة فيما لو تفاقمت الحرب وامتدت إلى دول الجوار الملتهبة.
الخرطوم ساحة للمعارك بعدما نجت من صراعات سابقة
مخاوف من إطالة أمد الصراع في السودان مع سعي المتحاربين للسيطرة
يخوض فصيلان متناحران صراعاً في السودان منذ أسبوعين وسط مؤشرات على أنه لا يمكن لأي منهما أن يحقق نصراً حاسماً، ما يثير المخاوف من أن تؤدي حرب طويلة الأمد بين قوات الدعم السريع، شبه العسكرية، والجيش النظامي المجهز تجهيزاً أفضل، إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة بالفعل.
ورغم سقوط مئات القتلى، وتحول العاصمة الخرطوم إلى منطقة حرب، لا توجد مؤشرات تذكر إلى إمكانية التوصل إلى تسوية بين قائد الجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي».
ويبذل وسطاء أجانب جهوداً حثيثة لوقف الانزلاق إلى الحرب. وأدى القصف المدفعي والضربات الجوية في الخرطوم والصراع في أماكن أخرى، مثل منطقة دارفور الغربية، إلى تقويض اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار، توسطت فيها الولايات المتحدة ودول أخرى.
مؤشرات انفتاح على التفاوض
وأشار مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى السودان، فولكر بيرتس، قبل أيام، إلى وجود مؤشرات إلى مزيد من الانفتاح على التفاوض، لكنه قال إن الخرطوم شهدت تجدد القتال.
وأعلن حميدتي والبرهان استبعادهما فكرة التفاوض معاً في تصريحات علنية منذ بدء القتال.
ولم يرد أحد مساعدي حميدتي على أسئلة من «رويترز» بشأن استعداده للتفاوض أو إجراء محادثات سلام. وكان حميدتي الذي وصف البرهان بأنه «مجرم» قد قال في 20 أبريل إنه لن يجلس معه.
وأشار أحد مساعدي البرهان، عند طرح السؤال نفسه عليه، إلى تصريحات أدلى بها قائد الجيش لقناة الحرة هذا الأسبوع، التي قال فيها إنه لن يجلس مع «قائد التمرد»، في إشارة إلى حميدتي.
وستكون مخاطر الصراع وخيمة بالنسبة للسودان والدول السبع المجاورة له والتي قد يتزعزع استقرارها بسبب الصراع في بلد له تاريخ من الحروب الأهلية، ومنها الحرب التي استمرت عقوداً وانتهت بانفصال جنوب السودان في 2011.
ورغم ما يمتلكه الجيش من طائرات مقاتلة ودبابات، فإنه لم يتمكن حتى الآن من طرد مقاتلي الدعم السريع من الخرطوم التي نجت من أعمال العنف في الحروب الأهلية السابقة في السودان.
ويتجلى ذلك في معركة طويلة للسيطرة على العاصمة الواقعة على نهر النيل. وقال الجيش إن مقاتلي الدعم السريع على وشك التعرض للهزيمة، لكن دبلوماسياً غربياً قال إن قوات الدعم السريع لها اليد العليا.
وفر الكثير من المدنيين من العاصمة إلى مناطق أكثر أماناً. ووصف السكان الوضع بأنه يشهد حالة من الانهيار السريع في ظل انتشار العصابات واللصوص في الشوارع الخالية وتعرض الأحياء لضربات جوية وقصف مدفعي ونفاد الطعام والوقود.
وحتى لو تمكن الجيش من الانتصار في الخرطوم، يشعر المحللون بالقلق من أن يتحول الأمر إلى حروب داخلية كما هو المعتاد، ما يضع الجيش الوطني الذي تديره نخبة قوية في العاصمة في مواجهة السكان الغاضبين المنحدرين من مناطق تعاني التهميش، مثل دارفور، المنطقة التي ظهر فيها حميدتي وقوات الدعم السريع لأول مرة كقوة مقاتلة.
ووصف دبلوماسي إقليمي بارز الوضع بأنه «مرعب».
وقال الدبلوماسي: «سنشهد الكثير من الانقسام»، معبراً عن قلقه من تجدد الصراع بين مركز الحكم في الخرطوم، والمناطق النائية في بلد يبلغ تعداده 46 مليون نسمة.
غياب سيناريوهات جيدة
تصاعد التوتر منذ أشهر بين حميدتي والبرهان حول كيفية دمج قوات الدعم السريع البالغ عددها نحو 100 ألف في الجيش السوداني، بموجب اتفاق إطاري مدعوم دولياً يفضي لتشكيل حكومة مدنية، وبشأن التسلسل القيادي في الفترة التي تسبق الانتخابات.
كان حميدتي – وهو قائد ميليشيا سابق في دارفور – من أتباع الرئيس السابق عمر البشير، ومنفذاً لأوامره، وأثرى من تجارة الذهب.
وشغل حميدتي منصب نائب البرهان في مجلس السيادة بالسودان بعد الإطاحة بالبشير، وأصر على أن دمج قوات الدعم السريع يجب أن يجري على مدى 10 سنوات، بما يتماشى مع بنود اتفاق إطاري للخطة الانتقالية، حسبما ذكرت مصادر عدة مطلعة على المحادثات، بينما أراد الجيش إطاراً زمنياً أقصر بكثير.
وقال الدبلوماسي الغربي، إن الوسطاء سعوا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار و«استقرار الوضع بهذه الطريقة، بدلاً من التوصل إلى نوع من اتفاق سلام كبير»، الأمر الذي يبرز صعوبة إقرار السلام في المستقبل.
وتساءل: «ما الذي سيتحدثان عنه ولم يكن مطروحاً على الطاولة قبل بدء الصراع؟»، مضيفاً أنه لا يمكن لأي من الجانبين تحقيق نصر عسكري حاسم، أو السيطرة على جميع أراضي السودان.
وقال أحمد سليمان، من مركز «تشاتام هاوس» البحثي في لندن، إنه توقع «سيناريو سيئاً للغاية في كلتا الحالتين مع وجود احتمال ضئيل لإيجاد حل قصير الأجل من شأنه إيقاف القتال بشكل دائم».
وأضاف سليمان: «قوات الدعم السريع متمرسة على القتال باستخدام أساليب حرب العصابات في المناطق الحضرية، بينما تملك القوات المسلحة السودانية القوة الجوية والدبابات وإمكانات لوجستية أفضل». وتابع أن الجيش يحاول على ما يبدو ملاحقة حميدتي على أمل توجيه ضربة قاصمة لقوات الدعم السريع.
وأردف: «ربما يكونون بمرور الوقت قادرين على طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم. إن نجح ذلك السيناريو فسيزداد التنافس في إقليم دارفور، وهو أمر بدأنا في رؤية آثاره».
ضغوط أجنبية
من شأن العنف أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن ترسي أسس الديمقراطية في السودان بعد الإطاحة بعمر البشير وقاعدته السياسية الإسلامية في 2019 بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.
ويساور القلق السودانيين الذين ناضلوا من أجل الحكم المدني من عودة العهد الماضي، وأن تتيح الفوضى للجيش إحكام قبضته على السلطة إلى جانب عودة أفراد من حكومة البشير إلى السلطة.
ووصف مسؤول بالحكومة السودانية الصراع بأنه بين جيش شرعي وميليشيا متمردة لابد أن تستسلم، ولا يمكن التفاوض معها، مردداً بيانات الجيش.
وتصوّر قوات الدعم السريع التي تملك قواعد في أنحاء السودان أفراد الجيش بأنهم «متطرفون»، وهي إشارة واضحة إلى النفوذ الذي يقول حميدتي إن الإسلاميين يتمتعون به في الجيش.
ويعتقد المحللون أن القوى الأجنبية التي تملك سطوة على كلا الطرفين من شأنها أن تضع مزيداً من الضغوط عليهما لوقف التصعيد، وأبرز هذه القوى هي مصر التي تربطها علاقات وثيقة بالجيش، ودول الخليج الملحوظ تأثيرها على حميدتي.
وقالت المؤرخة ويلو بيريدج: «ستزيد فرص وقف إطلاق النار بشكل دائم إن أمكن جعل الطرفين يدركان أنهما لن يجنيا شيئاً من هذا الصراع»، مضيفة أن القوى الإقليمية ربما تؤدي دوراً في إقناعهما.
• رغم ما يمتلكه الجيش من طائرات مقاتلة ودبابات، فإنه لم يتمكن حتى الآن من طرد مقاتلي الدعم السريع من الخرطوم التي نجت من أعمال العنف في الحروب الأهلية السابقة في السودان.
• وصف السكان الوضع بأنه يشهد حالة من الانهيار السريع في ظل انتشار العصابات واللصوص في الشوارع الخالية، وتعرض الأحياء لضربات جوية وقصف مدفعي ونفاد الطعام والوقود.