لا يحتاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جائزة نوبل للسلام، طالما أنه يرى نفسه، نبياً أنقذه الله مرتين من أجل أن يجعل من أميركا دولة عظيمة.
بممحاة ثقيلة، مسح ترامب خلال خطاب التنصيب معظم سياسات إدارة جو بايدن السابقة، التي يرى أنها تسبّبت في النيل من قوة وعظمة الولايات المتحدة الأميركية.
مئتا أمر تنفيذي وقّع عليها ترامب تضمّنت إلغاء السياسات وأوامر سابقة، وأخرى تضمّنت عناوين سياسته المقبلة وكأنه يعيد رسم الخارطة السياسية والاقتصادية والقيمية للعالم.
إذا كان عنوان سياسة ترامب المقبلة «أميركا أولاً»، وأنه يتجه نحو إطفاء الصراعات الدموية الساخنة، أو وقف الحروب، فإن مفردات سياسته كما تضمّنها خطاب التنصيب، تعلن حرباً اقتصادية ودبلوماسية شعواء في الداخل والخارج على نحو الخصوص.
مرة أخرى، يعلن ترامب الانسحاب من «اتفاقية باريس للمناخ»، من أجل إطلاق اليد، لتوسيع الاستثمارات في مجال الطاقة، بكل أنواعها حتى لو أدى ذلك إلى زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية المؤثرة على المناخ على سطح الأرض.
ويعلن ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، التي تتكفّل بلاده جزءاً كبيراً من ميزانياتها، بذريعة فشلها في مواجهة أزمة « كورونا ».
«أميركا أولاً»، مفتاح العمل من أجل استعادة الولايات المتحدة لقوتها الطاغية، ونفوذها الذي لا يقاوم ولا يضاهى، تتطلب جملة من العمليات الجراحية، كالتي تتعلق بالاستيلاء على قناة بنما، وربما احتلال بنما كلها، أن تطلب الأمر، والتي تتعلق، أيضاً، بتغيير اسم خليج المكسيك ثم ضمّ جزيرة غرينلاند، ومن بعدها كندا، وعمليات كبرى أخرى ذات وسائل وأبعاد اقتصادية ودبلوماسية.
مرة أخرى، يتحدث ترامب عن ضرورة أن تتحمّل أوروبا مسؤوليات أكبر مقابل حمايتها، فهي «استنزفت الخزانة الأميركية وأموال دافعي الضرائب خلال الحرب المشتعلة في أوكرانيا».
يقول ترامب، إن أميركا دفعت لدعم أوكرانيا 200 مليار دولار زيادة على ما تكبّدته أوروبا كلها، وذلك أمر غير مقبول بالنسبة لإدارته.
أوروبا العجوز لم تصحُ بعد من غفوتها، فهي من أكبر المتأثّرين سلباً من نتائج الحرب في أوكرانيا، وعليها أن تواجه حرباً اقتصادية، من قبل الولايات المتحدة.
رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو لم يتأخّر في الرد وكان غير متحفّظ حين قال، إنه «ينبغي على فرنسا وأوروبا ككل الوقوف في وجه ترامب وإلّا سنواجه السحق».
لم يهمل بايرو المخاطر التي تواجهها أوروبا إزاء تقدم الصين التي وصلت معدلات التنمية السنوية فيها إلى 5%، ما يعني أن أوروبا مقبلة على حصار وحرب اقتصادية وسياسية من قبل قوى الصراع الكبرى أميركا والصين وروسيا.
ترامب سيرفع التعريفة/ الرسوم الجمركية على كل منتجات الدول الأجنبية لحماية المنتجات الأميركية، ووقف زحف المنتجات الأجنبية إلى بلاده حتى لو أدى ذلك من غير أن يقصد إلى رفع أسعار المواد والمنتجات التي أصبحت جزءاً من متطلبات وحياة المواطن الأميركي.
إذا عدنا إلى المرحلة السابقة من وجود ترامب في البيت الأبيض، فهو كان هدّد بتفكيك «حلف الناتو»، ما لم تدفع أوروبا ثمن الحماية، وتضاعف من إنفاقها العسكري.
لا يتحدث ترامب وطاقمه كثيراً عن الشرق الأوسط، سوى أنه يفتخر بإنجازه صفقة التهدئة، والمضي قُدُماً في توسيع «اتفاقيات أبراهام» وعاد بها إلى التداول لإنجاز التطبيع الإسرائيلي السعودي كما يردّد ترامب وموظفوه.
هذه المفردات لسياسة ترامب المقبلة على المستوى الدولي، تعني أن الولايات المتحدة بصدد شن حرب عالمية كبرى، بوسائل ناعمة عموماً، وساخنة إذا اقتضى الأمر.
حديث ترامب وموظفيه عن السلام، الذي يريد أن ينشره في العالم، مرهون بما يحقق لبلاده مصالحها الأنانية، وأن على الكل فتح خزائنه، لتمويل الخزينة الأميركية.
سياسة الصفقات، هي الوسيلة المعتمدة، ولكنها لا يمكن وحدها تحقيق المجد الذي يسعى إليه ترامب، ولذلك فإن اتباع هذه السياسة وضمان نجاحها يعتمد على القوة العسكرية والقوة الاقتصادية لأميركا.
في مواجهة هذه السياسة، ولكي تحافظ الأطراف المعنية على مصالحها، ستكون للصين سياساتها الحمائية، والمقاومة، وستكون لأوروبا، أيضاً، سياساتها، وإلا تفكّك الاتحاد الأوروبي لكي يصبح فريسة سهلة، ولروسيا النووية، أيضاً، سياساتها الحمائية.
العرب هم الحلقة الأضعف بين كل القوى التي يستهدفها ترامب وهم يقفون على خزائن مليئة بالدولارات، وبلدانهم تحظى بثروات هائلة لطالما كانت مطمعاً للغير.
سيجد ترامب الطريقة المناسبة لتدفيع العرب أثمان الحماية الأميركية، فهم لا يزالون يعبرون عن خوفهم من الخطر الإيراني.
أميركا ستعمل على تعظيم الخطر الإيراني، عن قصد حتى يشكل ذلك أداة ابتزاز للعرب، سواء للهيمنة على ثرواتهم، أو لإرغامهم، أيضاً، على تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل كجزء من الثمن.
يدرك ترامب وفريقه ما أصاب دولة الاحتلال منذ «طوفان الأقصى»، ولذلك فإنه لن يبخل عليها بتقديم كل الدعم اللازم لتعويضها، وإشعارها بأنها ستخرج من أزمتها منتصرة.
مبدئياً، تركّز إدارة ترامب على إتمام صفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، ثم سيكون لما بعد ذلك حديث آخر وفعل مختلف لا يستجيب لمراهنات البعض الذي يتوهّم أن أميركا ستستخلص الدرس الذي استخلصه الجميع من أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الحرب ومفتاح السلام في الشرق الأوسط والعالم.
إن كانت هذه هي طريقة تفكير ترامب وفريقه، الذي يتوعّد بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتصعيد الحرب في مواجهة ما يقولون إنها «معاداة السامية» في أميركا وخارجها، فمن غير المؤكّد أن تصمد المنظومة العربية إزاء مسألة التمسك بشرط فتح مسار سياسي على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كجزء من «صفقة التطبيع».
لقد اختبرت الحرب على قطاع غزة ، وتفتح الآن على الضفة الغربية، مدى صلابة الموقف العربي والإسلامي، الذي اتسم بالتخاذل والاكتفاء بإصدار البيانات، والمناشدات، وترك الشعب الفلسطيني وحيداً.
إذا كانت مثل هذه المقاربة، تنطوي على شيء من الموضوعية، فإن الملاذ الوحيد للفلسطينيين هو استعادة وحدتهم، وإعادة ترتيب أوضاعهم بأقصى سرعة، وتحضير أنفسهم للتعامل مع التحديات الخطيرة القادمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية