في خضمّ التطورات المتسارعة للأزمة الأوكرانية، أثار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، جدلاً واسعاً بتصريحاته الأخيرة حول مقترح السلام الذي صاغته الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. فقد زعم ترامب أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، “ليس مستعداً” بعد للتوقيع على هذا المقترح، مما أثار تساؤلات حول فرص تحقيق السلام في المنطقة. هذه التصريحات، وتداعياتها المحتملة، تستدعي تحليلاً معمقاً للوضع الراهن.
ترامب ينتقد زيلينسكي ويعرقل مقترح السلام
انتقد ترامب زيلينسكي بعد انتهاء محادثات استمرت ثلاثة أيام بين المفاوضين الأمريكيين والأوكرانيين، بهدف تضييق الخلافات حول مقترح الإدارة الأمريكية. ورأى ترامب أن الرئيس الأوكراني يعرقل تقدم المحادثات، معرباً عن خيبة أمله لعدم إقدام زيلينسكي على قراءة المقترح حتى تلك اللحظة. وأضاف: “أعتقد أن روسيا، على ما أظن، موافقة عليه، لكنني لست متأكراً من أن زيلينسكي موافق عليه، شعبه يحبه، لكنه ليس مستعداً”.
هذه التصريحات تأتي في سياق انتقادات ترامب المستمرة للحرب، واعتبره إياها إهداراً لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين. كما أنه حث الأوكرانيين مراراً على التنازل عن أراضٍ لروسيا لإنهاء الصراع الذي وصفه بأنه كلف الكثير من الأرواح.
ردود الفعل الأوكرانية والأمريكية
رد زيلينسكي على تصريحات ترامب مؤكداً أنه أجرى “مكالمة هاتفية جوهرية” مع المسؤولين الأمريكيين المشاركين في المحادثات، وأنه تم إطلاعه على آخر المستجدات. وأكد زيلينسكي أن أوكرانيا مصممة على مواصلة العمل بحسن نية مع الجانب الأمريكي لتحقيق السلام.
في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الإدارة الأمريكية حول تصريحات ترامب، لكنها تواصل جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي للأزمة.
موقف روسيا من مقترح السلام
من الجدير بالذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم يعلن موافقته علناً على خطة البيت الأبيض. بل صرح بوتين الأسبوع الماضي بأن جوانب من مقترح ترامب غير قابلة للتنفيذ، على الرغم من أن المسودة الأصلية كانت تميل بشدة لصالح موسكو. هذا الموقف يعكس تعقيدات الوضع السياسي والعسكري على الأرض، وصعوبة التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
استراتيجية الأمن القومي الجديدة وتوافقها مع رؤية موسكو
في تطور لافت، رحبت روسيا باستراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن الوثيقة الاستراتيجية المحدثة تتماشى إلى حد كبير مع رؤية موسكو. هذا التوافق في الرؤى قد يشير إلى إمكانية حدوث تقارب بين واشنطن وموسكو في المستقبل القريب، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على مسار الأزمة الأوكرانية.
دور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مراقبة وقف إطلاق النار
وفي سياق منفصل، أشار وزير الخارجية السويسري، إينياسيو كاسيس، إلى أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) يمكن أن تلعب دوراً بارزاً في مراقبة وقف إطلاق النار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا في حال إقراره. وأوضح كاسيس أن سويسرا، التي ستتولى رئاسة المنظمة في عام 2026، تريد التركيز على خطوات بناء الثقة والتحضير لهدنة محتملة بين موسكو وكييف.
قدرات المنظمة والتحديات التي تواجهها
أكد كاسيس أن المنظمة قادرة على إيفاد عشرات الأشخاص في مهل قصيرة، ومتابعة وقف إطلاق النار، ومراقبة خطّ وقف النار، والإشراف على الانتخابات وغيرها من المهام. ومع ذلك، لفت إلى أن الجبهة الأمامية تمتد حالياً على 1300 كيلومتر، وأن المنظمة صغيرة جداً لمراقبتها وحدها على طول امتدادها، ويتطلب الأمر التزاماً كبيراً من الدول المشاركة.
كما أشار كاسيس إلى أن ترامب قد يتمكن من التوصل إلى صفقة لوقف المعارك بسرعة، مستشهداً بصفقة غزة كمثال. وأضاف أن الهدف هو أن تكون المنظمة مستعدة للتدخل فور التوصل إلى اتفاق.
الخلاصة: مستقبل المفاوضات والبحث عن حل سلمي
إن تصريحات ترامب حول مقترح السلام الأوكراني، وموقف روسيا المتذبذب، وتحديات مراقبة وقف إطلاق النار، كلها عوامل تؤثر على فرص تحقيق السلام في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن الجهود الدبلوماسية المستمرة، ودور المنظمات الدولية مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تظل أملاً في التوصل إلى حل سلمي ينهي هذا الصراع المدمر. من الضروري استمرار الحوار والتفاوض بين جميع الأطراف المعنية، والتركيز على بناء الثقة وتلبية احتياجات جميع الشعوب المتضررة. الحرب الروسية الأوكرانية تتطلب حلولاً دبلوماسية شاملة، والأزمة الأوكرانية لا تزال تشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي. الوضع يتطلب أيضاً دراسة متأنية لـ السياسة الخارجية الأمريكية وتأثيرها على المنطقة.
