بحر الصين الجنوبي يشهد تصاعداً في التوترات، وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز قدرات الردع لدى دول جنوب شرق آسيا للحفاظ على حرية الملاحة ومواجهة الأنشطة التي تزعزع استقرار المنطقة. هذا التحرك يأتي في ظل تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، وتأثيره على حقوق الملاحة والتجارة الدولية.
تعزيز التحالفات الاستراتيجية في مواجهة التحديات
لطالما كانت الولايات المتحدة حريصة على بناء تحالفات قوية في منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الإقليمي والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. وتعتبر الفلبين وفيتنام وكمبوديا من بين الدول التي تتلقى دعماً أمريكياً متزايداً في مجالات الأمن والدفاع.
الفلبين: حليف قديم وشراكة متجددة
تتمتع الفلبين بعلاقات تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة، حيث تربطهما معاهدة دفاع متبادل عام 1951. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت واشنطن ومانيلا عن خططهما لإنشاء قوة عمل مشتركة تهدف إلى ردع الصين في بحر الصين الجنوبي. هذه القوة، التي تعتبر الأولى من نوعها، ستسمح للقوات الأميركية والفلبينية بالاستجابة بشكل أسرع لأي تدخل صيني في المياه المتنازع عليها.
تضم القوة 60 متخصصاً بقيادة ضابط كبير، مع التأكيد على أنها لن تتضمن قوات قتالية جديدة أو عمليات هجومية أو قواعد عسكرية دائمة. ومع ذلك، فإن الهدف الرئيسي هو إرسال رسالة واضحة إلى الصين بشأن التزام الولايات المتحدة بدعم الفلبين في حماية حقوقها السيادية.
في الوقت نفسه، تستعد الفلبين لسيناريو قد لا تتمكن فيه من الاعتماد على المساعدة الفورية من حلفائها. لذلك، كشفت القوات المسلحة الفلبينية عن تحول نحو “خطة دفاع أحادية الجانب” جديدة، مع إدراك أن وصول المساعدة الخارجية قد يستغرق شهوراً.
فيتنام: شريك استراتيجي صاعد
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث تم رفع فيتنام إلى مرتبة “شريك استراتيجي شامل” في عام 2023. ومع ذلك، فإن التعاون الأمني بين البلدين يتقدم بوتيرة أبطأ مقارنة بالفلبين.
على الرغم من زيارة وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى فيتنام في نوفمبر الماضي، لم يتم الإعلان عن أي صفقات لبيع أسلحة أميركية. تاريخياً، كانت روسيا المصدر الرئيسي للإمدادات العسكرية لفيتنام، ولا تزال تفضل فيتنام تنويع مصادرها العسكرية. هناك أيضاً مخاوف في فيتنام من أن شراء أسلحة أميركية قد يثير غضب الصين أو يثير تساؤلات حول موثوقية الولايات المتحدة كشريك.
كمبوديا: فتح آفاق جديدة للتعاون
في تطور لافت، رفعت الولايات المتحدة الحظر المفروض على تصدير الأسلحة إلى كمبوديا، والذي كان سارياً منذ عام 2021. جاء هذا القرار عقب استئناف التعاون الدفاعي بين البلدين ومكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
كما تم استئناف مناورات الدفاع المشتركة بين الولايات المتحدة وكمبوديا، المعروفة باسم “أنغكور سنتينل”، والتي كانت قد توقفت منذ عام 2017. يمثل هذا التحول في السياسة الأميركية خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات مع كمبوديا، الحليف الإقليمي الصغير، ولكنه يحمل أيضاً رسالة واضحة إلى الصين.
الدبلوماسية والحلول السلمية: مدونة سلوك في بحر الصين الجنوبي
بالإضافة إلى التعاون الأمني، تسعى الفلبين إلى حل النزاعات في بحر الصين الجنوبي من خلال الدبلوماسية والحوار. بصفتها رئيسة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في عام 2026، تخطط مانيلا للضغط من أجل وضع مدونة سلوك ملزمة قانوناً بين الدول الأعضاء في الآسيان والصين.
تهدف هذه المدونة إلى تقنين قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي وتقليل مخاطر الاشتباكات البحرية. ومع ذلك، فإن آفاق التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً تبدو ضئيلة، حيث من غير المرجح أن توافق بكين على أي التزامات مقيدة في عام 2026.
التحديات المستقبلية والآفاق المتاحة
على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز قدرات الردع لدى دول جنوب شرق آسيا، لا تزال التوترات في بحر الصين الجنوبي قائمة. تعتمد فعالية هذه الجهود على عدة عوامل، بما في ذلك التزام الولايات المتحدة المستمر، وقدرة دول المنطقة على تطوير قدراتها الدفاعية، واستعداد الصين للانخراط في حوار بناء.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ في الاعتبار المصالح المتنوعة لدول جنوب شرق آسيا، وتجنب إجبارها على الاختيار بينها وبين الصين. إن تحقيق الاستقرار الإقليمي يتطلب اتباع نهج شامل ومتوازن، يجمع بين التعاون الأمني والدبلوماسية والحوار.
في الختام، يمثل تعزيز قدرات الردع لدى دول جنوب شرق آسيا خطوة مهمة نحو الحفاظ على حرية الملاحة ومواجهة التحديات التي تواجه بحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، فإن الحل الدائم لهذه المشكلة يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة والالتزام بالحلول السلمية.
