يبدو أن القادة الأوروبيين صريحون بشكل مثير للإعجاب في تشخيص مشكلاتهم السياسية والاقتصادية، وإن لم يكونوا للأسف بارعين في حلها. لكن، عندما يسافرون إلى الصين، يجدون الكثير من انتقاداتهم الذاتية موجهة إليهم، بصوت أعلى وبنبرة أكثر قسوة. هذه الديناميكية المعقدة تلقي الضوء على تصورات العلاقات بين أوروبا والصين، والتي تتسم بالشك والتقييمات المتباينة.
نظرة صينية ناقدة لأوروبا: بين التبعية والضعف
يناقش الأوروبيون باستمرار كيفية تجنب الوقوع في الفخ بين أمريكا والصين. ولكن بالنسبة للكثيرين في الصين، يبدو هذا النقاش غير ضروري، إذ يرون أن أوروبا بالفعل “بيدق” في يد أمريكا. هذا التصور المتجذر يعكس شكوكاً عميقة حول قدرة أوروبا على اتباع سياسات مستقلة بحق. باحث من جامعة فودان، في مقال حديث، صرح بشكل قاطع بأن “أوروبا غير قادرة على التحرر حقاً من أمريكا لتصبح مستقلة”.
الأوروبيون منشغلون بشكل دائم بقدرتهم التنافسية، وهو الأمر الذي يراه الكثيرون في الصين بمثابة مفارقة. فهم يعتقدون أن أوروبا تفتقر إلى القوة اللازمة لمواجهة التحديات التكنولوجية المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، يرى المراقبون الصينيون أن المشاكل الداخلية التي تواجه الوحدة الأوروبية أكثر خطورة مما يعترف به الأوروبيون أنفسهم.
الاتحاد الأوروبي: مستقبل معلق؟
تذهب الآراء الصينية إلى أبعد من مجرد انتقاد سياسات الاتحاد الأوروبي. أكاديمي قومي يدعى تشانغ ويوي، صرح في مقابلة تلفزيونية في سبتمبر الماضي، بأن “بقاء الاتحاد الأوروبي حتى عام 2035 هو أمر مشكوك فيه”. هذه التصريحات العلنية تعكس، وفقًا لمصادر من داخل الأوساط الأكاديمية الصينية، آراء أكثر تشاؤماً سائدة في الخفاء.
أحد المستشارين الصينيين وصف أوروبا بأنها أشبه بـ “عشيقة مسنة” ترفض الاعتراف بأنها قد فقدت اهتمام “إمبراطورها” الأمريكي. بينما يرى آخرون أن “أوروبا تكره الابتكار”. هذا الازدراء قد يظهر في بعض الأحيان في التعاملات الرسمية، حيث أفاد ممثل تجاري أوروبي بأنه تعرض لتوبيخ شديد اللهجة خلال زيارته الأخيرة لوزارة الخارجية الصينية، ربما لمجرد التسلية.
سوء فهم التحديات الأوروبية: منظور صيني متطرف
على الرغم من أن التحليل القائل بأن أوروبا ضعيفة ومنقسمة ليس خاطئاً تماماً، إلا أن وجهة النظر الصينية تميل إلى المبالغة وتصوير التحديات الأوروبية بشكل “كاريكاتوري” متطرف. يؤدي هذا التشويه إلى خطأين رئيسيين في نهج الصين تجاه أوروبا.
أولهما، افتراض أن أوروبا تتبع إلى حد كبير قيادة أمريكا. وقد تجلى ذلك بوضوح في تفسير الحرب في أوكرانيا، حيث يرى العديد من المحللين الصينيين الصراع كمواجهة بين أمريكا وروسيا، ويعتبرون أوروبا مجرد طرف يسعى إلى السلام والاستقرار بينما تعمل أمريكا على إطالة أمد الصراع لإضعاف روسيا. هذا التجاهل لقلق الأوروبيين من التهديد المباشر الذي تشكله الحرب هو أمر مثير للانتباه.
ثانياً، الاعتقاد بأن الصين تقدم حلاً لمشاكل أوروبا، وهو أمر لا يعكس الواقع. بالرغم من أن أوروبا تسعى إلى تحقيق “الاستقلالية الاستراتيجية”، إلا أنها تسعى للحصول على توازن بين الصين وأمريكا.
النموذج الاقتصادي الصيني وتأثيره على أوروبا
على الرغم من أن الصين تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع أوروبا، إلا أن هناك تباطؤًا في التعاون بسبب المسائل التجارية. وزارة التجارة الصينية أعلنت عن استئناف المفاوضات التجارية، إلا أنها لم تتخل عن اتفاقية الاستثمار المتوقفة بسبب الخلافات حول سياسات الصين في شينجيانغ.
ومع ذلك، فإن هذه الرغبة في إبرام الصفقات تكشف عن عدم فهم كامل لأهمية النموذج الاقتصادي الصيني بالنسبة لأوروبا. فخلال السنوات الأخيرة، تحولت العلاقات التجارية بين ألمانيا والصين من حالة توازن إلى عجز كبير، متوقعاً تجاوز 100 مليار دولار هذا العام. الشركات الأوروبية التي كانت تستفيد من السوق الصينية وجدت نفسها الآن في مواجهة منافس قوي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سياسات الصين المتعلقة بالمعادن النادرة، على الرغم من أنها كانت رد فعل على الحرب التجارية مع أمريكا، إلا أنها أضرت بالشركات الأوروبية بقدر ما أضرت بالشركات الأمريكية. هذا درس مهم لأوروبا حول مخاطر الاعتماد على الصين.
تصاعد التوترات: تحول العلاقات بين أوروبا والصين
تتصاعد التوترات بين الجانبين، حيث ألغى الاتحاد الأوروبي حواراً اقتصادياً مع بكين بسبب عدم التقدم في حل النزاعات التجارية. كما أدى تأجيل زيارة وزير الخارجية الألماني إلى بكين إلى تصعيد التوتر. يبدو أن الصين سئمت من التهديدات الأوروبية وتشعر بأنها قادرة على تجاهلها.
الصين واثقة من أنها تفوقت على الرئيس ترامب في الحرب التجارية، وتعتقد أن التعامل مع أوروبا سيكون أسهل. كما أن لديها خبرة في توطيد العلاقات مع الدول الأوروبية بشكل فردي لتقويض تماسكها ككتلة. الصين تركز حاليًا على المجر وإسبانيا كدولتين مستعدتين للاستثمار الصيني.
التحليل الاستراتيجي للعلاقات الصينية الأوروبية
بشكل عام، قد تكون الصين عرضة لسوء التقدير. طالما استمرت الحرب في أوكرانيا وظلت الصين داعمة لروسيا، فإن فرص تحسن العلاقات بين أوروبا والصين ستظل محدودة. وفي الوقت نفسه، تتطور الآراء الأوروبية بسرعة فيما يتعلق بالتجارة، وقد تؤدي الزيادة المستمرة في الصادرات الصينية إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً من قبل أوروبا.
إذا حدث ذلك، فسيكون ذلك دليلاً على قوة الموقف الأوروبي، لكن بكين، المقتنعة بأن أمريكا هي التي تتخذ القرارات، قد تفوتها النقطة الرئيسية: عندما تغضب أوروبا هذه المرة، فستكون ردة فعلها مستقلة بذاتها، وليس بناءً على توجيهات أمريكية. هذا التحول في الديناميكية سيحدد مستقبل السياسة الخارجية الصينية تجاه أوروبا.
وهذا يُبرز أهمية فهم التطورات الجيوسياسية وتأثيرها على التعاون الاقتصادي بين القارتين.
