في قلب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة المحيط الهادئ، تظل صفقة اتفاق أوكوس الأمنية محور اهتمام عالمي. أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مؤخرًا التزامها الكامل بالاتفاق، الذي يهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية لأستراليا من خلال تزويدها بغواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي. هذا التأكيد جاء بعد مراجعة شاملة أجرتها إدارة الرئيس ترامب، مما يضع حدًا للمخاوف التي أثارتها أستراليا بشأن مستقبل هذه الشراكة الاستراتيجية.
تأكيد الالتزام بـ “أوكوس” بعد مراجعة ترامب
بعد فترة من عدم اليقين، أعلن المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، أن اتفاق أوكوس يتماشى تمامًا مع سياسة “أمريكا أولاً” التي يتبناها الرئيس ترامب. وأشار البيان إلى أن المراجعة كشفت عن فرص لتسريع وتيرة تنفيذ الاتفاق، مع ضمان بناء شراكة قوية ومستدامة. هذا التأكيد يمثل تطورًا هامًا، خاصةً بعد أن طلبت إدارة ترامب في يونيو الماضي إجراء مراجعة شاملة للاتفاق، مما أثار قلقًا في كانبيرا.
دوافع المراجعة والنتائج
كانت دوافع المراجعة تتركز حول تقييم مدى توافق الاتفاق مع الأولويات الاستراتيجية للإدارة الجديدة، بالإضافة إلى تقييم الجدوى الفنية والمالية لتنفيذ الصفقة. أظهرت النتائج أن اتفاق أوكوس لا يزال يمثل أداة حيوية لاحتواء النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيط الهادئ، وأن التحديات الفنية يمكن التغلب عليها من خلال التخطيط الدقيق والاستثمار في البنية التحتية.
التحديات الفنية والإنتاجية في بناء الغواصات
على الرغم من التأكيد على الالتزام بالاتفاق، أقر وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، بوجود “فجوة” بين القدرات الإنتاجية الحالية والقدرات المطلوبة لإنجاز بناء الغواصات في الموعد المحدد. يتطلب بناء غواصات تعمل بالدفع النووي خبرة فنية متخصصة وبنية تحتية متطورة، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للصناعة الأمريكية. ومع ذلك، أكد النائب جو كورتني، كبير الديمقراطيين في اللجنة الفرعية للقوة البحرية في مجلس النواب، أن الكونغرس سيدعم الأحواض البحرية الأمريكية المكلفة بهذه المهمة، وأن بيع ثلاث غواصات من طراز فرجينيا اعتبارًا من عام 2032 ليس موضع شك.
ردود الفعل الإقليمية والتأثيرات الجيوسياسية
استقبلت كانبيرا نتائج المراجعة الأمريكية بارتياح كبير. صرح وزير الصناعة الدفاعية الأسترالي، بات كونروي، بأن أستراليا ستتعامل بشكل بناء مع الاستنتاجات والتوصيات المتعلقة بتحسين اتفاق أوكوس. وتعتبر صفقة الغواصات جزءًا أساسيًا من استراتيجية أستراليا لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة المحيط الهادئ.
العلاقة مع الصين وتوازن القوى
يهدف اتفاق أوكوس بشكل أساسي إلى تحقيق توازن في القوى في منطقة المحيط الهادئ، ومواجهة النفوذ الصيني المتزايد. تعتبر الصين صعودها العسكري والاقتصادي في المنطقة بمثابة تهديد للمصالح الأمريكية وحلفائها، وتسعى واشنطن من خلال هذا الاتفاق إلى تعزيز قدرات أستراليا على الردع والتصدي لأي تهديدات محتملة.
التكلفة والجدول الزمني لتنفيذ الاتفاق
تبلغ التكلفة الإجمالية لـ اتفاق أوكوس بالنسبة لأستراليا حوالي 235 مليار دولار أمريكي على مدى الثلاثين عامًا القادمة. يتضمن الاتفاق تزويد أستراليا بثلاث غواصات أمريكية من طراز فرجينيا تعمل بالدفع النووي بحلول عام 2032، بالإضافة إلى تزويدها بالتكنولوجيا اللازمة لبناء غواصاتها الخاصة في المستقبل، بدءًا من عام 2040. هذا الجدول الزمني الطموح يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في البحث والتطوير.
تداعيات إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا
لا يمكن الحديث عن اتفاق أوكوس دون الإشارة إلى الخلاف الكبير الذي أثاره مع فرنسا في عام 2021. ألغت أستراليا صفقة بمليارات الدولارات لشراء أسطول من الغواصات التقليدية العاملة بوقود الديزل من باريس، واختارت بدلاً من ذلك إبرام اتفاق أوكوس مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. أثار هذا القرار غضبًا فرنسيًا كبيرًا، واعتبرته باريس بمثابة طعنة في الظهر. على الرغم من محاولات التهدئة، لا تزال العلاقات الفرنسية الأسترالية متوترة.
في الختام، يمثل اتفاق أوكوس تطورًا استراتيجيًا هامًا في منطقة المحيط الهادئ، ويعكس التزام الولايات المتحدة وحلفائها بتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. على الرغم من التحديات الفنية والمالية، يبدو أن الاتفاق يسير على الطريق الصحيح، ومن المتوقع أن يعزز بشكل كبير القدرات الدفاعية لأستراليا، ويساهم في تحقيق توازن في القوى في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد. لمزيد من المعلومات حول التطورات الجيوسياسية في منطقة المحيط الهادئ، يمكنكم زيارة المواقع الإخبارية المتخصصة في الشؤون الدولية.
