في خطوة تصعيدية تثير القلق على مستقبل الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين، صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلية، يوم الثلاثاء الموافق 16 ديسمبر 2025، على إحالة مشروع قانون مثير للجدل يهدف إلى فصل الماء والكهرباء عن مكاتب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للتصويت النهائي. يأتي هذا الإجراء في سياق حملة مُمنهَجة لتقويض دور الوكالة وتقليل نفوذها، مما يهدد بتفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق عملها. هذا القانون، إذا أقر، سيكون له تداعيات كبيرة على حياة مئات الآلاف من اللاجئين.
مشروع قانون فصل الأونروا عن الخدمات الأساسية: تفاصيل وتداعيات
الصحف العبرية، وعلى رأسها “معاريف”، أكدت أن مشروع القانون يهدف إلى منع الأونروا من مواصلة نشاطها بشكل كامل، ليس فقط من خلال تقييد عملياتها، بل أيضاً من خلال تجريم توفير خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه للعقارات المسجلة باسمها. هذا يعني أن القانون لا يستهدف فقط مكاتب الوكالة، بل قد يمتد ليشمل المراكز الصحية والمدارس التي تديرها الأونروا، مما يؤثر بشكل مباشر على الخدمات الحيوية التي يتلقاها اللاجئون.
مسار القانون في الكنيست
تمت الموافقة الأولية على مشروع القانون في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بأغلبية ساحقة، حيث أيدته 28 عضواً من أصل 120، وعارضه 8 أعضاء فقط. بعد هذه الموافقة، أحيل المشروع إلى لجنة الخارجية والأمن لإجراء التعديلات اللازمة وإعداده للقراءتين الثانية والثالثة، وهما الخطوتان الأخيرتان قبل تحوله إلى قانون نافذ. الآن، وبعد موافقة اللجنة، ينتظر المشروع طرحه على التصويت في الكنيست بالقراءتين المذكورتين.
الأهداف المعلنة والخلفيات السياسية
تزعم الحكومة الإسرائيلية أن هذا القانون يهدف إلى ممارسة ضغوط على الأونروا لضمان تغيير المناهج التعليمية التي تُدرس في مدارسها، والتي تتهمها إسرائيل بالتحريض على العنف. الأونروا هي هدف دائم للانتقادات الإسرائيلية، التي تطالب بتغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني وإلغاء حق العودة. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذا القانون هو جزء من جهود أوسع لتقويض أي وجود مؤسسي للاجئين الفلسطينيين، وتقويض فرصهم في الحصول على الخدمات الأساسية وحقوقهم المشروعة.
ردود الفعل الدولية والمحلية على القانون
أثار مشروع القانون ردود فعل واسعة النطاق، سواء على الصعيد الدولي أو المحلي. منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أعربت عن قلقها العميق بشأن التداعيات الإنسانية المحتملة لهذا القانون، وحذرت من أنه قد يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. كما أعربت العديد من الدول، بما في ذلك الدول العربية والأوروبية، عن رفضها لهذا الإجراء، ودعت إلى احترام دور الأونروا في تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين.
موقف السلطة الفلسطينية
أدانت السلطة الفلسطينية بشدة مشروع القانون، واعتبرته “حرباً مفتوحة” ضد اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم. وحذرت من أن هذا القانون سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، وسيساهم في زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة. كما دعت المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لمنع إقرار هذا القانون.
تداعيات محتملة على الوضع الإنساني
إذا تم إقرار هذا القانون، فمن المتوقع أن يشهد الوضع الإنساني في مناطق عمل الأونروا تدهوراً حاداً. فقدان خدمات الماء والكهرباء سيؤثر بشكل مباشر على المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، مما سيعرض حياة اللاجئين للخطر. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا القانون إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، وتفاقم الأزمات الصحية والتعليمية. العديد من الخبراء يحذرون من أن هذا القانون قد يدفع المنطقة إلى حافة كارثة إنسانية.
الأونروا: دورها وتحدياتها المستمرة
وكالة الأونروا تأسست عام 1949 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتكلف بتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. تقدم الوكالة خدمات أساسية في مجالات التعليم والصحة والإغاثة والتمويل، وتعتبر شريان الحياة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
ومع ذلك، تواجه الأونروا تحديات مستمرة، بما في ذلك نقص التمويل والضغوط السياسية. في السنوات الأخيرة، تعرضت الوكالة لعدة حملات تشويه، واتهمت بالتحيز ضد إسرائيل. كما تسببت قرارات بعض الدول بوقف تمويلها للوكالة في أزمات مالية حادة، مما أثر على قدرتها على تقديم الخدمات للاجئين. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الأونروا صعوبات في الوصول إلى بعض المناطق المحاصرة، مثل قطاع غزة، مما يعيق جهودها الإنسانية.
مستقبل الأونروا واللاجئين الفلسطينيين
مستقبل الأونروا واللاجئين الفلسطينيين يبدو قاتماً في ظل هذه التطورات. إقرار هذا القانون سيكون بمثابة ضربة قاضية للوكالة، وسيؤدي إلى تقويض دورها بشكل كبير. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل في أن يتمكن المجتمع الدولي من التدخل ومنع إقرار هذا القانون، وضمان استمرار الأونروا في تقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين. من الضروري أيضاً إيجاد حل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بما يضمن حقوقهم المشروعة في العودة والتعويض. الوضع الحالي يتطلب تحركاً سريعاً وموحداً من قبل جميع الأطراف المعنية، لحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وضمان مستقبلهم.
في الختام، مشروع القانون الذي يناقشه الكنيست الإسرائيلي يمثل تهديداً حقيقياً للاجئين الفلسطينيين وللوكالة التي تعتمد عليها. من الضروري متابعة هذا القانون عن كثب، والضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات فعالة لمنع إقراره، وضمان استمرار الأونروا في أداء دورها الإنساني الحيوي. نأمل أن يتمكن العقل والمنطق من الانتصار، وأن يتم إيجاد حلول تحترم حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتضمن لهم حياة كريمة.
