التحول الصادم في السياسة الأميركية، بعيداً عن أوكرانيا وحلفائها القدامى، واتجاهها نحو روسيا، دفع القادة الأوروبيين إلى إعادة تقييم جذرية لمتطلباتهم الأمنية.
لقد ولّت أيام الثقة في الحوار والاعتماد على الولايات المتحدة، والآن أوروبا أمام لحظة حاسمة، فعليها أن تتحمل مسؤولية دعم أوكرانيا وأخذ دور أساسي للدفاع عن نفسها، فقد أسفر اجتماع المجلس الأوروبي الطارئ، في السادس من مارس الجاري، عن اتفاق أساسي على مبدأ أساسي، بحيث ستخصص الحكومات الأوروبية، بمفردها ومجتمعة، الموارد اللازمة لتمويل تطوير سريع لدفاعاتها ودعمها لأوكرانيا، وتُعد هذه القرارات بالغة الأهمية فمن دون تمويل كافٍ لا يمكن تحقيق أمن أوروبي حقيقي.
لكن المال وحده لا يكفي، والسؤال الرئيس الذي لايزال يتعين على الأوروبيين الإجابة عنه هو كيفية ضمان أمن أوكرانيا دون دعم الولايات المتحدة، وكيفية تحمل المسؤولية الرئيسة عن دفاعهم.
وسيستغرق كلا الأمرين وقتاً، بل سنوات في الحالة الأخيرة، وفي حين أن واشنطن، بقيادة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد لا تترك لأوروبا في نهاية المطاف خياراً سوى المضي قدماً بمفردها، تنصح بعض الجهات القادة الأوروبيين بتقديم عرض للولايات المتحدة يصعب رفضه.
ومن المفترض أن يتضمن هذا العرض عنصرين: أولًا الالتزام بنشر قوة كبيرة في أوكرانيا لمنع أي هجمات روسية مستقبلية كجزء من أي وقف للأعمال العدائية، وثانياً جدول زمني واضح لنقل المسؤولية الرئيسة عن الدفاع عن أوروبا إلى عهدة القارة العجوز.
شروط
ولدعم المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا ينبغي على أوروبا الموافقة على نشر أربعة ألوية مدرعة مجهزة بالكامل مدعومة بقوة جوية قوية وأصول قتالية حيوية أخرى، بما في ذلك الدفاعات الجوية والصاروخية، لردع روسيا وطمأنة أوكرانيا بأن استئناف الحرب ضدها يعني أن تتحرك أوروبا وجيشها فوراً لنصرتها.
ومع ذلك يجب أن يكون هذا الالتزام مشروطاً بأربعة عناصر: أولاً يجب أن تكون أوكرانيا جزءا من أي مفاوضات تؤدي إلى وقف إطلاق النار، ويجب على الأوروبيين الذين ينشرون قوة أمنية التحلي بالشفافية الكاملة والشاملة في ما يتعلق بجوهر ونتائج المفاوضات.
وثانياً يجب ألا تُقيد القدرات العسكرية لأوكرانيا بأي اتفاق أو تسوية تفاوضية مع روسيا، وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون الدعم الغربي المستمر للقوات المسلحة الأوكرانية غير مقيد، لأن وجود جيش أوكراني موثوق به شرط لتحقيق سلام دائم.
والشرط الثالث يجب أن يكون الانتشار القتالي الأوروبي تحت قيادة وسيطرة حلف شمال الأطلسي «الناتو» حتى لو اختارت الولايات المتحدة عدم المشاركة على الأرض (كما فعل حلفاء آخرون في عمليات سابقة)، والحقيقة فقد تم تدريب وتجهيز وتشغيل معظم الجيوش الأوروبية في القتال كجزء من عمليات «الناتو» أو بقيادة الولايات المتحدة، لاسيما في بيئات غير متساهلة.
ولطالما عارضت الولايات المتحدة الجهود الأوروبية لإنشاء هياكل قيادة موازية، وأصرت على دمج القوة القتالية الأوروبية عالية الكثافة ضمن «الناتو».
ولتحقيق مهمة ناجحة وإحلال سلام دائم، تحتاج القوات الأوروبية في أوكرانيا إلى الوصول إلى قيادة «الناتو» وسيطرته، ومعلوماته الاستخباراتية، وعناصره المساعدة، وغيرها من الأصول الاستراتيجية.
وأخيراً يتعين على الولايات المتحدة أن تظل ملتزمة تماماً بالمادة الخامسة من الدستور، وأن تلتزم بالدفاع عن أوروبا في حالة وقوع هجوم مسلح على دولة عضو في «الناتو».
جدول زمني
وعلى المدى الأبعد يتعين على أوروبا أن تتحمل المسؤولية الرئيسة عن الدفاع عن نفسها، لقد تركت عقود من نقص الاستثمار الأوروبي في الدفاع القارة العجوز غير مستعدة تماما للقيام بدور رئيس، ناهيك بدور قيادي في دفاعها، ويجب على الحلفاء الأوروبيين الالتزام بجدول زمني واضح لنقل مسؤولية الدفاع من الولايات المتحدة إلى أوروبا.
أولاً أنه بحلول نهاية عام 2025 ينبغي أن تحل القوات الأوروبية محل القوات الأميركية البالغ عددها 20 ألف جندي التي انتشرت في أوروبا بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا عام 2022.
ومع ذلك لا ينطبق هذا الالتزام إلا في حال عدم نشر أي قوات أوروبية في أوكرانيا، لأنها لا تملك القوات اللازمة للقيام بكلا الأمرين ضمن الإطار الزمني المقترح.
ثانياً بحلول نهاية هذا العقد سيفي حلفاء «الناتو» غير الأميركيين ما بين 70 و80% بمتطلبات قوة الرد السريع التابعة للحلف من حيث القوة والقدرات، ويشمل ذلك القدرة على نشر نحو 75 ألف جندي في غضون 10 أيام، و225 ألف جندي إضافي في غضون 30 يوماً، و400 ألف جندي إضافي في غضون ستة أشهر، وستكون جميع هذه القوات جاهزة ومدربة تدريباً كاملاً ومجهزة تجهيزاً كاملاً لعمليات قتالية مستدامة وعالية الكثافة.
وأخيراً بحلول نهاية عام 2032 يستطيع حلفاء «الناتو» غير الأميركيين نشر 75% من جميع العناصر الاستراتيجية المتقدمة المطلوبة.
وقد قدمت الولايات المتحدة لعقود الجزء الأكبر من هذه القوات الحيوية لحلف «الناتو»، بما في ذلك النقل الجوي الثقيل، والتزود بالوقود جواً، والمعلومات الاستخباراتية ومعلومات الاستهداف، والمراقبة والاستطلاع المتقدمان، والدفاعات الجوية والصاروخية المتكاملة، وغيرها.
ولتولي المسؤولية الرئيسة عن الدفاع عن أوروبا، يتعين على الأوروبيين اقتناء هذه الأصول الاستراتيجية وإعادة نشرها لمواجهة أي طارئ.
التزامات
وبالتزامن مع هذه الالتزامات ينبغي أن توافق الولايات المتحدة أيضاً على التزامات عدة خاصة بها، منها أنه يتعين على واشنطن الموافقة على إحلال منظم للقوات الأوروبية خلال السنوات الخمس إلى الـ10 المقبلة، ويتزامن مع خفض القوات الأميركية وقدراتها ونشر قدرات أوروبية جديدة، كما يتعين على الولايات المتحدة الالتزام بتحمل جزء كبير، وإن كان أقل بكثير، من عبء الدفاع الجماعي، بما في ذلك من خلال دعم الجهات الاستراتيجية الأميركية الفاعلة التي تقدم الدعم لـ«الناتو» بعد أن تتولى أوروبا المسؤولية الرئيسة عن دفاعها.
كما يتعين على واشنطن الالتزام برئاسة هيكل قيادة «الناتو» العام وجميع قيادات القوات (البرية والجوية والبحرية) من خلال دمج قادتها الأوروبيين تحت هيكل «الناتو»، بغض النظر عن أي تعديلات أخرى في هيكل القيادة.
وبينما يتحمل الأوروبيون العبء الأكبر من دفاع «الناتو»، فإن التزام الولايات المتحدة بمواصلة توفير ركيزة القيادة والتحكم اللازمة للحفاظ على تماسك «الناتو» أمر بالغ الأهمية.
وأخيراً على واشنطن أن تؤكد استمرارها في توفير ركيزة الردع النووي لحلف «الناتو»، بما في ذلك استمرار نشر القوات النووية في أوروبا كجزء من اتفاقيات «الناتو» لتقاسم الأسلحة النووية. ويتمثل دور الحلفاء النوويين وغير النوويين الآخرين في تعزيز هذا الموقف الرادع.
لقد حان الوقت لصفقة جديدة عبر الأطلسي، صفقة تتولى فيها أوروبا المسؤولية الرئيسة عن أمن القارة، تمكن الولايات المتحدة من خلالها أوروبا من القيام بذلك، قد لا يكون البيت الأبيض في مزاج لقبول هذا الجدول الزمني لنقل المسؤولية، لكن الموافقة عليه ستعزز التزام أوروبا بأمنها وتجديد العلاقات عبر الأطلسي. عن «فورين بوليسي»
. بعض الجهات نصحت القادة الأوروبيين بتقديم عرض للولايات المتحدة يصعب رفضه.
. يتعين على أميركا أن تظل ملتزمة بالدفاع عن أوروبا، في حالة وقوع هجوم مسلح على دولة عضو بـ«الناتو».