العراق يواجه أزمة قمح حادة بسبب الجفاف وتراجع الموارد المائية، مهدداً بذلك الأمن الغذائي الذي حققه مؤخراً. يعاني مزارعو القمح، مثل معن الفتلاوي في محافظة النجف، من نقص حاد في المياه، حيث جفت الأنهار التي كانت تغذي حقولهم لعقود. هذا الوضع يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل إنتاج القمح في البلاد، وقدرتها على الاستمرار في الاكتفاء الذاتي الذي تم تحقيقه في السنوات الأخيرة.
تداعيات الجفاف على إنتاج القمح في العراق
يشهد العراق أسوأ سنوات الجفاف في تاريخه الحديث، مما أدى إلى انخفاض مستويات المياه في نهري دجلة والفرات إلى مستويات قياسية. هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على الزراعة، خاصةً زراعة القمح التي تعتمد بشكل كبير على الري. تشير التقديرات إلى أن محصول القمح لهذا الموسم قد ينخفض بنسبة تصل إلى 50%، وهو ما يمثل ضربة قوية للجهود المبذولة لتحقيق الأمن الغذائي.
يقول معن الفتلاوي، المزارع العراقي: “حفر الآبار غير مجدٍ في أرضنا الزراعية، لأن المياه مالحة ولا تصلح للزراعة، لذلك نحن نعتمد على مياه الأنهار بصورة رئيسة.” هذا يعكس التحديات التي يواجهها المزارعون في البحث عن بدائل للمياه الجافة، خاصةً في المناطق التي تعاني من ملوحة التربة.
دور التغير المناخي وتأثير الجيران
لا يقتصر سبب أزمة القمح في العراق على الجفاف المحلي فحسب، بل يمتد ليشمل تأثيرات التغير المناخي الإقليمية والعالمية. تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن العراق يحتل المرتبة الخامسة عالمياً من حيث التعرض لمخاطر تغير المناخ. وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن متوسط درجات الحرارة في العراق يرتفع بمعدل نصف درجة مئوية كل 10 سنوات منذ عام 2000، مع توقعات بزيادة تصل إلى 5.6 درجات مئوية بحلول نهاية القرن. هذا الارتفاع في درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة التبخر وتقليل معدلات هطول الأمطار، مما يزيد من حدة الجفاف.
إضافة إلى ذلك، يعتمد العراق بشكل كبير على جيرانه في الحصول على إمداداته المائية، حيث تصل نسبة هذه الإمدادات إلى 70%. تستخدم كل من تركيا وإيران السدود على مصادر الأنهار الرئيسية للاحتفاظ بحصة أكبر من المياه، مما يقلل من كمية المياه التي تصل إلى العراق. وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن تناقص كمية المياه الواصلة إلى العراق هو العامل الأكبر وراء الأزمة الحالية. فقد انخفضت احتياطات المياه في العراق من 60 مليار متر مكعب في عام 2020 إلى أقل من أربعة مليارات متر مكعب حالياً.
جهود الحكومة العراقية لتعزيز الأمن الغذائي
في السنوات الأخيرة، بذلت الحكومة العراقية جهوداً كبيرة لتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على استيراد القمح. شملت هذه الجهود تمويل شراء البذور عالية الإنتاجية، وتوفير مستلزمات زراعية أخرى، وتشجيع استخدام آليات الري الحديثة، وتوسيع الرقعة الزراعية من خلال الزراعة الصحراوية.
كما قدمت الحكومة دعماً كبيراً للمزارعين من خلال تقديم أسعار شراء للقمح تزيد على مثلي الأسعار العالمية. وقد ساهمت هذه الإجراءات في رفع مخزونات القمح الاستراتيجية إلى أكثر من ستة ملايين طن في بعض المواسم، متجاوزة قدرة صوامع التخزين في البلاد. وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الحكومة أنها اشترت نحو 5.1 مليون طن من محصول عام 2025، وأن هذه المخزونات تكفي لتلبية الاحتياجات المحلية لمدة عام كامل.
مستقبل إنتاج القمح العراقي: تحديات وتوقعات
على الرغم من الجهود الحكومية، يرى خبراء أن أزمة القمح في العراق قد تتفاقم في المستقبل. يتوقع هاري ستيبانيان، خبير المياه ومؤسس مركز تغير المناخ في العراق، ارتفاع الواردات مجدداً، مما يعرض البلاد لخطر أكبر لارتفاع أسعار الغذاء وتداعياته الاقتصادية والأمنية.
وتقدر منظمة الفاو أن احتياجات العراق من واردات القمح للموسم التسويقي 2025-2026 قد تصل إلى نحو 2.4 مليون طن. هذا يشير إلى أن العراق قد لا يتمكن من الحفاظ على الاكتفاء الذاتي من القمح، وقد يضطر إلى زيادة اعتماده على الاستيراد.
الأمن المائي والغذائي: قضية متكاملة
أصبحت أزمة الأمن المائي والغذائي في العراق قضية متكاملة، تتجاوز مجرد مشكلة بيئية لتشمل تداعيات اقتصادية وأمنية فورية. إن تراجع إنتاج القمح يؤثر على الدخل القومي، ويزيد من الاعتماد على الاستيراد، ويعرض البلاد لتقلبات أسعار الغذاء العالمية.
لذلك، من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الأزمة، بما في ذلك:
- الاستثمار في مشاريع حصاد المياه وتخزينها.
- تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة.
- تنويع مصادر المياه، مثل تحلية مياه البحر.
- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في إدارة الموارد المائية.
- دعم المزارعين وتشجيعهم على تبني ممارسات زراعية مستدامة.
إن مستقبل إنتاج القمح في العراق يعتمد على قدرة البلاد على التكيف مع التغيرات المناخية، وإدارة مواردها المائية بشكل فعال، وتعزيز الأمن الغذائي لضمان حياة كريمة لمواطنيها. الاستدامة الزراعية والإنتاج الزراعي هما مفتاح مواجهة هذه التحديات. كما أن البحث عن بدائل زراعية تتحمل الجفاف، مثل الأصناف الجديدة من الشعير، قد يكون ضرورياً لضمان استمرار توفير الغذاء.
