بقلم:بيرند جرييفيندر، النائب الأول للرئيس، والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، ومؤسس شركة (دايناتريس) Dynatrace.
اجتاحت جميع القطاعات على مستوى العالم ثورة كبيرة بفضل ChatGPT، والذكاء الاصطناعي التوليدي، مع ظهور إمكانات حدوث تحوّل كبير في تطوير البرامج وتوفيرها. ومع أنها لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن تقنية (GPT) التي تعني المحولات التوليدية المدربة سابقًا، وهي نوع من النماذج اللغوية الكبيرة، توفر مزايا كبيرة عند إدماجها مع ما يعرف بالذكاء الاصطناعي السببي. ومن شأن هذا الاقتران أن يعزز التأثير والاستخدام الأكثر أمانًا لمنصات ChatGPT وتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الأخرى.
وفي شهر نوفمبر 2022، أطلقت شركة OpenAI روبوت المحادثة ChatGPT الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، وأثار حينها إعجاب مجالس الإدارة والمستخدمين عمومًا على مستوى العالم. وتمتلك تقنية GPT والنماذج اللغوية الكبيرة (LLM) التي تدعمها، إمكانات هائلة لأداء الكثير من المهام، مثل: تحسين خدمة العملاء وزيادة إنتاجية الموظفين.
وعند إلقاء نظرة فاحصة على دولة الإمارات العربية المتحدة، نجد على سبيل المثال أن هيئة الطرق والمواصلات بدبي ستبدأ أيضًا باستخدام الذكاء الاصطناعي في العام 2031، في مسعى منها للإسهام في تحقيق طموح الإمارة لكي تصبح أذكى مدينة في العالم. وستُستخدم التكنولوجيا الجديدة في صيانة الطرق، ومراقبة وسائل النقل العام وإدارة حركة المرور .. وغير ذلك الكثير من العمليات والمهام.
ووضعت حكومة دبي أيضًا قوانين ولوائح للمركبات الذاتية القيادة بهدف نشر 4,000 مركبة ذاتية القيادة بحلول العام 2030. ومن المتوقع أن يدعم القانون الجديد تطور أهداف المدينة المتعلقة بالتنقل الذكي، وتأثير ذلك في جذب الاستثمارات، وخلق بيئة تنظيمية من شأنها أن تسهل استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل.
وفي المقابل، فإننا في (دايناتريس) نعمل على استكشاف طرق عديدة للاستفادة من GPT بهدف تسريع الابتكار وتحسين إنتاجية فريق العمل. وعلى سبيل المثال، قمنا خلال مشاركتنا في المؤتمر السنوي للمستخدمين (Perform) الذي عقد في شهر فبراير من العام الجاري 2023، بتوضيح الآلية التي يمكن للناس اعتمادها في استخدام اللغة الطبيعية للاستعلام عن بياناتنا، ما يمثل دلالة على الإمكانات التي تتمتع بها تقنية GPT لتعزيز “ديمقراطية المعلومات”. وبما أن هذه التكنولوجيا لا تزال في مراحلها الأولى، فقد بدأنا في تعرّف هذه الفرص والاستفادة منها.
ويعتبر تطوير البرامج وتقديمها من المجالات المهمة التي تتفوق فيها تقنية GPT، مثل ChatGPT، لاسيما وأنها تساعد الفرق العاملة في عمليات التطوير DevOps وهندسة النظم الأساسية في صياغة التعليمات البرمجية، وذلك من خلال الاعتماد على المعلومات المتاحة في مكتبات البرامج.
وعلاوة على ذلك، فإنها تعمل على تسريع حل المشاكل في التعليمات البرمجية المخصصة، من خلال توفير سياق الأسباب الجذرية لعمليات GPT، لتوفير العلاج والحلول التي يتم إنشاؤها تلقائيًا.
وتمثل هذه النماذج تحسينات مهمة بدل العمليات اليدوية التي تستغرق وقتًا طويلًا، مثل: كتابة التعليمات البرمجية المتكررة، أو البحث عن العدد الهائل من الصفحات في مواقع الأسئلة والإجابات Stack Overflow للحصول منها على الإجابات المطلوبة.
وتساعد تقنيات GPT في تسهيل الإعداد السريع لأعضاء الفريق للوصول إلى منصات وأدوات التطوير الجديدة، وذلك من خلال السماح لهم بطرح الأسئلة، ومن ثم تلقي الحلول الفورية.
وفي أثناء استخدامها لتقنيات GPT لغرض تسريع تطوير البرامج، يجب على المؤسسات وضع الضمانات لحماية الملكية الفكرية وخصوصية البيانات، كما يتعيّن على مهندسي حماية موثوقية الموقع، في حين يُطلب من فرق الخصوصية معرفة حقوق الملكية الفكرية واحترامها عند مشاركة التعليمات البرمجية مع GPT. ويكون مهمًا بالقدر نفسه منع المشاركة غير المقصودة لبروتوكول الإنترنت أو البيانات السرية عبر ChatGPT، خاصة عند استخدام بعض شركات استضافة تطوير البرامج، مثل: GitHub.
وحتى تتمكن من فهم مخاطر المرتبطة بتقنيات GPT والذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل كامل، يجب على المؤسسات إدراك حقيقة أن الذكاء الاصطناعي التوليدي المستند إلى النماذج اللغوية الكبيرة يكون عرضة للخطأ والتلاعب، فضلًا عن أن دقة المعلومات وجودتها المتاحة للمستخدمين والمدخلات المستمدة من هذه الأنظمة ربما تكون غير موثوقة، أو قد تتسم بالتحيز.
وهنا يطلب من الفرق الهندسية التحقق من الكود الذي يتلقونه من GPT للتخفيف من المخاطر التي تهدد موثوقية البرامج والأداء والامتثال والأمان.
وتلعب الهندسة السريعة دورًا حيويًا في الاستفادة من قوة أدوات GPT إلى أقصى حد. وفي هذا الجانب، يلجأ المطورون إلى تقديم التعليمات البرمجية والتعليقات ضمن السياق، التي تدعمها فرق عمليات التطوير (DevOps) وهندسة موثوقية المواقع (SRE) وفرق هندسة النظام الأساسي في أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية. وحتى يتم التوصل إلى النتائج الدقيقة على النحو المطلوب، تتطلب الهندسة السريعة مدخلات يُمكن الوثوق بها وقابلة للتنفيذ.
وفي شكل آخر من أشكال الذكاء الاصطناعي، يلعب الذكاء الاصطناعي السببي دورًا مهمًا في التوصل إلى هذه الدقة، عبر استخلاص الأفكار من المنظومات التكنولوجية ودورات حياة البرامج. و تتمكن الفرق من أتمتة التحليلات، واستكشاف تأثير الكود، والاحتفاظ بالسياق الكامل، من خلال الجمع بين الذكاء الاصطناعي السببي و GPT.
وعند قيامها بدمج تقنيات GPT في منصة “دايناتريس” الموحدة للمراقبة الموحدة والأمن، يمكن للمؤسسات تعزيز تأثير وقيمة ChatGPT والتقنيات ذات الصلة. وتوفر استعلامات اللغة الطبيعية مع الإجابات السببية المدعومة بالذكاء الاصطناعي سياقًا دقيقًا، الأمر الذي يؤدي إلى الارتقاء بالدقة وقابلية التنفيذ لمقترحات GPT. وبفضل هذا التكامل بين فرق “عمليات التطوير” DevOps وفرق النظام الأساسي، يمكن الحصول على التوصيات الدقيقة للحلول، من أجل تحسين وقت استجابة التطبيقات وأتمتة توسيع نطاق سير العمل.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي السببي يكملان بعضهما، وبالتالي فإنهما يسهمان في تعزيز تأثير تقنية GPT. ومع ذلك، يجب على المؤسسات إدراك أن ChatGPT والتقنيات المماثلة وحدها لا توفر الحلول المطلوبة، إذ تؤثر جودة وعمق ودقة المعلومات والسياق الذي يتم إدخاله في هذه الأنظمة بشكل مباشر على مقترحاتهم.
وحتى تتمكن من زيادة تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى أقصى حد ممكن، يجب على المؤسسات إدماج أدوات GPT مع الذكاء الاصطناعي السببي، لضمان حصولها على الاقتراحات الموثوقة والمفيدة. ويتيح هذا النهج أتمتة حتمية وقابلة للتكرار من خلال الذكاء الاصطناعي السببي، كما أنه يوفر سياقًا ثريًا لإطلاق الإمكانات الكاملة لـ GPT في توفير البرامج وحالات الاستفادة من الإنتاجية.
وعن طريق معالجة مخاوف الأمان والخصوصية، تتاح الفرص أمام المؤسسات للاستفادة من الهندسة التلقائية السريعة لتغذية أدوات GPT بالبيانات بصورة آنية، وتوفير السياق السببي المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وبهذه الطريقة، تساعد تقنيات GPT في زيادة الإنتاجية من خلال تقديم الاقتراحات المناسبة والمفيدة.
وعلاوة على كل ما ذُكر، فإن الجمع بين الذكاء الاصطناعي السببي والذكاء الاصطناعي التوليدي، يساعد في تمكين فرق عمليات التطوير وهندسة النظام الأساسي من التحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، الأمر الذي يضمن الموثوقية والأمن في التعليمات البرمجية، كما تعمل الأتمتة الذكية على تسهيل تنفيذ التعليمات البرمجية الموثوقة والآمنة.
وبناءً على ما سبق، فإن هذه الرحلة القائمة على الجمع بين الذكاء الاصطناعي السببي والذكاء الاصطناعي التوليدي تسهم في تمكين المؤسسات من تحقيق مكاسب إنتاجية كبيرة، إلى جانب تسريع آلية ابتكار البرامج، لخلق ميزة تنافسية دائمة.