بقلم: د. عبدالعزيز بن محمد الباتلي، مستشار وخبير في الحوسبة السحابية وقطاع التقنية
في عالم التكنولوجيا المتطور بسرعة، يثير صعود الذكاء الاصطناعي (AI) مجموعة من التساؤلات والمخاوف من تأثيره المحتمل في الإبداع البشري وسوق العمل. يتردد صدى القول إن الذكاء الاصطناعي قادر على استبدال البشر في مجموعة واسعة من المجالات، بدءًا من التصميم الداخلي والأزياء ووصولًا إلى العمارة والفنون التشكيلية والموسيقى والتعليم والتطبيب وغير ذلك. ولكن هذه الرؤية تفتقر إلى العمق والتوازن اللازمين.
من الضروري أن نغير نظرتنا إلى الذكاء الاصطناعي من منافس شرس إلى شريك نمو. ينبغي لنا أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه صديق محتمل، شريك يمكن أن يعزز من إمكانياتنا الشخصية والمهنية. من خلال إدماج التقنيات – سواء كانت برمجيات أو أجهزة – في عملياتنا، يمكننا تعزيز مواهبنا وإبداعنا وتحفيز مجالات الابتكار الواعدة.
الثورة الصناعية الخامسة (The 5IR)، تسعى إلى وضع “الإنسان أولًا” في العالم الرقمي. تركز هذه الثورة على بناء علاقة تعاونية وتكاملية بين البشر والتكنولوجيا، حيث يتم تأكيد التكامل والتعايش بدلاً من مجرد إكماله وأتمته للمهام. وما نشهده من تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم يشبه رؤيتنا فقط لقمة الجبل، ويبقى الخيال هو البوصلة التي تشير إلى ما هو آت.
للذكاء الاصطناعي القدرة الفائقة على تحويل الصناعات وإعادة تعريف الوظائف. ولكن الاعتقاد أنه يمكنه استبدال تفاصيل الإبداع البشري وذكائه العاطفي غير دقيق. الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل البيانات وتوليد النتائج بكفاءة، ولكنه يفتقر إلى الأبعاد العميقة للعاطفة البشرية والقدرة الفطرية على فهم العالم بطريقة فريدة. وهذا ينطبق بشكل خاص على المجالات الفنية والتصميم والابتكار، حيث يعتبر الحدس والإحساس البشريان محركات للإبداع والابتكار.
بدلاً من رؤية الذكاء الاصطناعي على أنه منافس للإبداع البشري، ينبغي لنا أن نعتبره شريكًا محتملًا. من خلال الاستفادة من ميزات البشر وقوة الذكاء الاصطناعي، يمكننا أن نبني مستقبلًا مزدهرًا مليئًا بالإبداع والتطور. هذا التعاون يمكن أن يسهم في إنشاء وظائف جديدة تجمع بين مهارات البشر والتكنولوجيا.
في مجال التعليم، متوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير ثوري في تجارب التعلم. يمكن لمنصات التعلم المتكيفة بمساعدة الذكاء الاصطناعي تخصيص تعليم الطلاب وفقًا لاحتياجاتهم وميزاتهم الشخصية. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الدور التوجيهي للمعلمين سيختفي. يمكن للمعلمين أن يركزوا على تنمية التفكير النقدي والذكاء العاطفي والإلهام. التعليم من المجالات التي تبقى قوة التفاعل البشري فيها لا تقدر بثمن.
التكامل بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير عادية. على سبيل المثال: في مجال التصميم، يمكن للمصممين الجمع بين أفضل الأمور من العالمين؛ استفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد خيارات التصميم استنادًا إلى تحليلات البيانات، مما يتيح لهم استكشاف مجموعة متنوعة من الاحتمالات والتجربة بشكل أكثر كفاءة. هذا يتيح لهم تخصيص المزيد من الوقت لتنقيح وتنفيذ رؤيتهم، مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج منتجات نهائية أكثر ابتكارًا وتطويرًا.
وفقًا لأحدث الدراسات من منتدى الاقتصاد العالمي، يُتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات المرتبطة به بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. تُظهر هذه الأرقام الرائعة الإمكانات المذهلة للنمو والتحول من خلال التعاون مع الذكاء الاصطناعي. الصناعات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي كأداة من مبدأ التكامل بدلًا من الإحلال هي التي ستحقق فوائد هائلة.
في الختام، يجب أن يتحول الحوار حول الذكاء الاصطناعي من الصراع إلى التعاون. هذا النهج يمكن أن يسمح لنا بالاستفادة من قوى البشر والتكنولوجيا، مما يفتح أبواب الإمكانيات غير المحدودة للإبداع والتقدم عبر مجموعة متنوعة من المجالات. إن مستقبلنا ليس معركة بين البشر والتكنولوجيا، بل هو شراكة متجانسة تستفيد من أفضل ما في العالمين لبناء مستقبل مليء بالتقدم والابتكار والرخاء والازدهار.