أكثر من عقد من الصمت والغموض يحيط بأسطورة الفورمولا 1، مايكل شوماخر. ففي مثل هذا اليوم، الموافق 29 ديسمبر، يمر بنا ذكرى مؤلمة، مرور 12 عامًا على الحادث المأساوي الذي غيّر مسار حياة “القيصر” وغير عالم سباقات السيارات إلى الأبد. هذا الحادث الذي وقع أثناء ممارسة شوماخر للتزلج في منتجع ميريبيل الفرنسي، لا يزال يثير الحزن والتساؤلات حول حالته الصحية.
تفاصيل الحادث وما بعده
تعرض مايكل شوماخر، المولود في كيربن عام 1969، لإصابة خطيرة في الرأس في 29 ديسمبر 2013. تبع ذلك فترة حرجة خضع خلالها لعمليات جراحية في مستشفى جرونوبل الجامعي. الغموض الذي لف المستشفى في الأيام الأولى للحادث، والضغط الإعلامي الهائل، دفع وكيلته الإعلامية سابين كيم لاتخاذ قرار صعب في الثاني من يناير 2014، وهو وقف التحديثات الطبية الرسمية.
هذا القرار، وإن كان ضروريًا لحماية خصوصية العائلة، أدى إلى انتشار الشائعات والتكهنات حول حالة شوماخر. لم يصدر تحديث رسمي إلا في يوليو 2014، حيث أُعلن عن خروج شوماخر من الغيبوبة ونقله إلى لوزان في سويسرا، ثم العودة إلى منزله على ضفاف بحيرة جنيف لتلقي العلاج والرعاية المستمرة من فريق متخصص. ومنذ ذلك الحين، لم يشهد وضع “القيصر” تغييرًا جذريًا، وظلت التفاصيل محاطة بالسرية.
السرية المطلقة وحياة “القيصر” الآن
تفرض عائلة شوماخر سرية تامة حول أخباره، وتقتصر التصريحات على دائرة ضيقة جدًا من المقربين. أسماء مثل روس براون، مهندسه السابق في بينيتون وفيراري، وجان تود، رئيس الاتحاد الدولي للسيارات السابق، وبيرني إيكلستون، المدير التنفيذي السابق للفورمولا 1، وجيرهارد بيرجر، هم من بين القلائل الذين يُسمح لهم بالتواصل مع شوماخر. بالمقابل، مُنع ويلي ويبر، مدير أعماله السابق، من زيارته طوال هذه الفترة.
هذه السرية تثير فضول الجماهير والإعلام، لكنها تعكس رغبة العائلة في حماية خصوصية شوماخر وتوفير بيئة هادئة لتعافيه. في عام 2025، عبّر ريتشارد هوبكنز، الرئيس السابق للعمليات في ريد بول، عن تشاؤمه الحذر بشأن إمكانية رؤية شوماخر مرة أخرى في حالة جيدة. وأشار إلى أنه على الرغم من علاقته الجيدة بالبطل الألماني، إلا أنه لا يملك أي معلومات حديثة، معتقدًا أن فرص عودته إلى الحياة الطبيعية ضئيلة.
تصريحات مقربة تكشف بعض التفاصيل
أكد هوبكنز على احترام رغبة العائلة في السرية، مشيرًا إلى أن الزوار المقربين ملتزمون بالحفاظ على خصوصية شوماخر. ويرى أن العائلة تتخذ موقفًا عادلاً ومحترمًا، فغياب الصور العلنية منذ عام 2012 يشير إلى أن هذا الوضع قد يستمر في المستقبل.
تكهنات الأطباء تشير إلى أن شوماخر قد يحتفظ بوعي محدود وقدرة على تمييز المقربين، لكن الواقع يشير إلى أنه غير قادر على الكلام أو المشي منذ الحادث. هذا ما أكده جان تود، قائلًا: “هذا ليس مايكل الذي عرفناه”. هذه التصريحات، على الرغم من حذرها، تعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها شوماخر في رحلة تعافيه.
مبادرات خيرية تذكر بإرث شوماخر
على الرغم من غيابه عن الأنظار، لا يزال اسم مايكل شوماخر مرتبطًا بمبادرات الخير والعطاء. ففي عام 2025، شهد مزاد عبر الإنترنت بيع بدلة سباق ارتداها شوماخر في سباق المجر عام 2000 بمبلغ تجاوز 95 ألف يورو. كما شمل المزاد قطعًا أخرى مثل بدلة من عام 1995 وخوذة موقعة من عام 2003.
وقد تم تخصيص جزء من عائدات المزاد لمؤسسة “كيب فايتينج” (Keep Fighting) التي أسستها عائلة شوماخر في عام 2017. أكد ريتش سودي، مؤسس “ذي شوماخر لاونج”، أن هذه العائدات ستساهم في تمويل رعاية شوماخر في جناحه الطبي المجهز في المنزل.
لفتة إنسانية من جاكي ستيوارت
وفي لفتة رمزية أخرى، باع السير جاكي ستيوارت خوذة موقعة من جميع أبطال العالم الأحياء في مزاد خلال سباق جائزة البحرين الكبرى. ساعدت كورينا، زوجة مايكل شوماخر، زوجها في وضع توقيعه على الخوذة، حيث أمسكت بيده لإتمام كتابة الأحرف الأولى من اسمه.
هذا العمل الخيري يهدف إلى دعم أبحاث مرض الخرف، وهو ما يعكس استمرار ارتباط اسم الأسطورة بمبادرات الخير والعطاء، حتى في ظل ظروفه الصحية الصعبة. القصة المؤثرة لتوقيع شوماخر على الخوذة، بمساعدة زوجته، تذكرنا بقوة الحب والعزيمة في مواجهة التحديات.
مستقبل غامض وأمل مستمر
بعد مرور 12 عامًا على الحادث، لا يزال مستقبل مايكل شوماخر مجهولًا. السرية التي تفرضها العائلة تحول دون معرفة التفاصيل الدقيقة لحالته الصحية، لكن المؤشرات تشير إلى أنه يواجه تحديات كبيرة. ومع ذلك، فإن الدعم المستمر من العائلة والأصدقاء، والمبادرات الخيرية التي تحمل اسمه، تمنحنا الأمل في أن يستمر “القيصر” في إلهامنا بقوته وعزيمته، حتى في ظل الصمت والغموض. يبقى مايكل شوماخر أسطورة حية في عالم الفورمولا 1، وذكره سيبقى خالدًا في قلوب محبيه.
