من/ أحمد زهران..
أبوظبي 5 مايو / وام / فيما تأخر تتويج المنتخب الأرجنتيني بأول ألقابه في بطولات كأس العالم إلى 1978، حفلت الكرة الأرجنتينية بتاريخ طويل قبل عقود من هذا التاريخ سواء على مستوى الدوري المحلي أو مسيرة المنتخبات الأرجنتينية.
( 3) ألقاب في كأس العالم، مارادونا وميسي وباتيستوتا ومئات من اللاعبين تركوا بصمة في الملاعب العالمية.. هكذا يمكن لكثيرين أن يروا الكرة الأرجنتينية، ولكن التاريخ الحافل للعبة في الأرجنتين حمل في ثناياه العديد من الأحداث والمحطات المهمة، خاصة وأن الكرة في الأرجنتين لا تقتصر على كونها إحدى الرياضات، وإنما تمثل أسلوب حياة لكثير من أبناء هذا البلد المهم في أمريكا الجنوبية.
وخلال بطولة كأس العالم 2022 في قطر، قدم مشجعو الأرجنتين لوحة مبهرة من خلال زحفهم خلف منتخب بلادهم والتشجيع الحماسي الكبير والحضور المكثف في المباريات بشكل فاق العديد من المنتخبات.
وبرغم طول المسافة من أمريكا الجنوبية إلى الشرق الأوسط، ووجود منتخبات أخرى أكثر وأقوى ترشيحا من المنتخب الأرجنتيني لإحراز اللقب، كان عدد كبير من أنصار المنتخب الأرجنتيني حريصا على السفر خلف فريقه، ولعبت هذه الجماهير دورا بارزا في تتويج الفريق بلقب البطولة.
وأحرز المنتخب الأرجنتيني بقيادة نجمه الكبير ليونيل ميسي لقبه العالمي الثالث وهو اللقب الذي طال انتظاره منذ توج الفريق باللقب العالمي الثاني في 1986 بقيادة الأسطورة الراحل دييجو مارادونا.
ولكن الانتظار الأطول للكرة الأرجنتينية في البطولة العالمية كان في ترقب إحراز الفريق للقبه العالمي الأول حيث جاء اللقب في 1978 بعد 48 عاما كاملة من انطلاق النسخة الأولى للمونديال في 1930 ببأوروجواي، والتي اقترب فيها الفريق كثيرا من منصة التتويج لكنه خسر أمام أصحاب الأرض 2-4 رغم انتهاء الشوط الأول من المباراة بتقدم المنتخب الأرجنتيني 2-1.
وفرضت الكرة الأرجنتينية وجودها على الساحة العالمية مبكرا من خلال إحدى أقدم بطولات الدوري في العالم؛ حيث انطلقت أول نسخة من البطولة في 1891 ليشتعل معها عشق الجماهير بالساحرة المستديرة، وتبدأ الكرة الأرجنتينية في تقديم نخبة نجومها إلى العالم سواء من خلال هذه البطولة المحلية أو صولات وجولات المنتخب الأرجنتيني قاريا وعالميا.
وعلى مستوى الدوري الأرجنتيني، مرت البطولة بالعديد من المحطات والتغيرات في نظام وشكل المسابقة حتى وصلت إلى شكلها الحالي، الذي يقام بمشاركة 28 فريقا تتنافس فيما بينها بنظام دوري من دور واحد.
وعلى مدار تاريخ البطولة، تغير نظامها أكثر من مرة حتى أن عددا من مواسمها شهد تتويج بطلين للمسابقة من خلال انقسامها إلى مرحلتين؛ افتتاحية وختامية.
وكانت السطوة لفريق ريفر بليت الذي يمتلك الرقم القياسي لعدد مرات الفوز باللقب برصيد 37 لقبا مقابل 35 لقبا لمنافسه التقليدي العنيد بوكا جونيورز، علما بأن المواجهات بين الفريقين أصبحت من أبرز وأشهر المباريات على مستوى العالمي، وتشتهر دائما بلقب “السوبر كلاسيكو” في ظل ما يتمتع به الفريقان من شعبية طاغية في العاصمة بوينس آيرس وخارجها.
وإلى جانب الفريقين، تبرز عدة فرق تركت أيضا بصمات واضحة في تاريخ الدوري الأرجنتيني مثل ريسينج وإندبندنتي وسان لورنزو وفيليز سارسفيلد واستوديانتس ونيويلز أولد بويز وروساريو سنترال وأرجنتينوس جونيورز ولانوس.
كما أحرزت الأندية الأرجنتينية العديد من الألقاب القارية وخاصة في بطولة كأس ليبرتادوريس العريقة؛ حيث تمتلك الفرق الأرجنتينية أكبر عدد من ألقاب البطولة برصيد 25 لقبا مقابل 22 لقبا للأندية البرازيلية.
وفي ظل هذا السطوع للأندية الأرجنتينية محليا وقاريا، ازداد ارتباط المشجعين بها حتى أصبح تشجيعهم لهذه الفرق بمثابة أسلوب حياة وهو لا يختلف عن حاجتهم للماء والهواء، ويظهر ذلك بوضوح من خلال حماسهم الشديد في المدرجات والكثافة الجماهيرية في معظم المباريات المحلية والقارية.
وتميزت الكرة الأرجنتينية بأنها بمثابة مصنع للمواهب وأصحاب المهارات الفنية العالية الذين تركوا بصمة مع أنديتهم وكذلك خلال رحلة احترافهم خارج الأرجنتين.
ويتصدر الأسطورة الراحل مارادونا قائمة هذه المواهب حيث تألق في بداية مسيرته بالدوري الأرجنتيني ثم انتقل بمهارته الفائقة إلى الملاعب الأوروبية ليقود نابولي الإيطالي إلى حقبة تاريخية توج خلالها بلقب الدوري الإيطالي للمرة الأولى في 1987 بعد عام واحد من فوز مارادونا مع المنتخب الأرجنتيني بلقب المونديال، ثم قاد مارادونا فريق نابولي للقبه الثاني في الدوري الإيطالي عام 1990 قبل أسابيع من الوصول مع المنتخب الأرجنتيني لنهائي المونديال في إيطاليا.
وفي بصمة أسطورية أخرى للكرة الأرجنتينية في الملاعب الأوروبية، قدم ليونيل ميسي حقبة تاريخية مع برشلونة الإسباني أكدت مكانة الموهبة الأرجنتينية، حيث قاد برشلونة لعشرات الألقاب محليا وأوروبيا وعالميا، كما قاد المنتخب الأرجنتيني قبل شهور إلى الفوز بلقب كأس العالم 2022 في أعقاب عام واحد من فوزه مع الفريق بلقب كأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا).
وإلى جانب مارادونا وميسي، قدمت الكرة الأرجنتينية كوكبة من اللاعبين أصحاب المهارات المميزة ممن تألقوا في الدوري الأرجنتيني والملاعب الأوروبية والعالمية مثل جابرييل باتيستوتا وسيرخيو أجويرو وآنخل دي ماريا وكلاوديو كانيجيا.
وفي ظل المهارات العديدة التي شهدتها مسيرة الكرة الأرجنتينية، لم يكن غريبا أن تفرض الأندية الأرجنتينية سطوتها على بطولات الأندية في أمريكا الجنوبية، كما استحوذ المنتخب الأرجنتيني على الرقم القياسي لعدد مرات الفوز بلقب كوبا أمريكا برصيد 15 لقبا وبالتساوي مع منتخب أوروجواي.
وبدأ المنتخب الأرجنتيني ألقابه في البطولة القارية مبكرا وبالتحديد في النسخة الخامسة التي استضافتها بلاده عام 1921، فيما أحرز الفريق لقبه الخامس عشر في منتصف 2021 بعد 100 عام من الفوز بلقبه الأول.
وعلى مستوى المونديال، توج الفريق باللقب العالمي 3 مرات وكان قريبا من اللقب في أكثر من نسخة أخرى؛ أبرزها وصوله إلى النهائي في 1930 و1990 و2014.
ولا يزال تاريخ المشاركات الأرجنتينية في بطولات كأس العالم شاهدا على العديد من الطرائف والأحداث المثيرة؛ وفي مقدمتها الهدف التاريخي لمارادونا في شباك المنتخب الإنجليزي بمونديال 1986، والذي راوغ فيه العديد من لاعبي المنتخب الإنجليزي خلال انطلاقه بالكرة من منتصف الملعب وحتى وضع الكرة في الشباك ليكون من أجمل الأهداف في تاريخ المونديال عن لم يكن أفضلها حتى الآن.
كما سجل مارادونا في هذه المباراة هدفا آخر لا يزال محفورا في التاريخ؛ حيث أحرزه بيده ليطلق بعدها على هذا الهدف لقب “يد الرب”.
وفي مونديال 2002، والذي كان المنتخب الأرجنتيني مرشحا بارزا فيه للفوز باللقب، لكنه خرج من الدور الأول، شهدت مباراة الفريق أمام المنتخب السويدي طردا مثيرا بعدما أشهر الحكم الإماراتي علي بوجسيم البطاقة الحمراء في وجه اللاعب كلاوديو كانيجيا وهو على مقاعد البدلاء.
وأصبح كانيجيا، الذي جلس على مقاعد البدلاء في ذلك الوقت لعودته من الإصابة قبل هذه المباراة، هو اللاعب الوحيد حتى الآن في تاريخ المونديال، الذي يتعرض للطرد من على مقاعد البدلاء ودون أن يلمس الكرة في المباراة.
رضا عبدالنور/ أحمد زهران