ليست كغيرها من مراكز البحوث اللغوية، أفكاره شابّة حيوية ومواكبة للعلم والعالم. مركز “زاي” لبحوث اللغة العربية التابع لجامعة زايد، الذي تأسس قبل نحو عامين، لا يأخذ اللغة بمعناها التراثي القديم، ولا من منطلقات نظرية وتنظيرية، وإنما من واقع الأرض ونتائج البحث. هذا المركز يمثل نقطة تحول في كيفية التعامل مع اللغة العربية، ويسعى إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهها في العصر الحديث.
رؤية جديدة للغة العربية: مركز “زاي” ومنهجه المتميز
رئيسة مركز “زاي” الدكتورة هنادا طه، ترصد المناطق الأكثر ضعفاً في مفاصل اللغة، تتعمق في سيكولوجية القراءة، وتسعى لإيجاد منافذ تدفع بالعربية نحو التقدّم لدى الأجيال الجديدة. تؤمن الدكتورة طه بأن أزمة اللغة العربية لا تكمن في تركيبها أو قواعدها، بل في الموقف تجاهها من قبل أبنائها، الذين يميلون إلى الافتتان باللغات الأجنبية على حساب لغتهم الأم.
من سان دييغو إلى زايد: مسيرة الدكتورة هنادا طه
التقى “الشرق” بالدكتورة هنادا طه، التي شغلت كرسي الأستاذية في تعليم اللغة العربية في جامعة زايد بالإمارات. قبل ذلك، عملت الدكتورة طه لسنوات في جامعة “سان دييغو” الحكومية في كاليفورنيا كأستاذة للغة العربية ومديرة لبرامجها. وقد وضعت الدكتورة طه العديد من المشروعات والبحوث في مجال تحديث أساليب تعليم العربية وتعلمها، مما أكسبها خبرة واسعة في هذا المجال.
طرحت الدكتورة طه سؤالاً مهماً: نبدأ من واقعنا فنسمع الألسن تغزل الإنجليزية على مدار الساعة، وبيوتنا تدور فيها أحاديث بلغات آسيوية وأجنبية، وشوارع لا مكان فيها لأحرف الضاد. ماذا يمكن أن نقول في يوم اللغة العربية؟ كانت إجابتها واضحة: لا يلزمنا هذا اليوم لنركز على لغتنا، فإحياء أمر ما يضعه في عداد الأمور التي ستنقرض.
هل اللغة العربية في خطر؟ الحقائق والأرقام
تؤكد الدكتورة طه أن اللغة العربية ليست في خطر حقيقي من الانقراض، فالأرقام تثبت أن هناك نحو 500 مليون شخص يتحدثون بها يومياً. وتعد أيضاً لغة الدين الواحد لأكثر من ملياري مسلم حول العالم. ومع ذلك، تشير إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في جودة تعليمها، مؤكدة أن “لغتنا العربية بألف خير لكن تعليمها ليس بخير.” هذا الوضع يتطلب تدخلاً سريعاً وفاعلاً لتحديث المناهج وطرق التدريس.
تحديات تعليم اللغة العربية: نظرة شاملة
تسأل الدكتورة طه: كيف تكون اللغة بخير؟ وتجيب: نحتاج إلى جامعات تعيد تشكيل كليات التربية من البداية، وإعادة هيكلة مهندسي معلمي اللغة العربية. القضية تبدأ من هناك، من وضع سياسات لغوية حديثة، العالم العربي ضائع في هذا المجال. وفي الخليج تحديداً، ترى الدكتورة طه أنه نظراً للطغيان الإنجليزي على الفضاء العام، يجب دفع الإنجليزية جانباً والتركيز على التواصل بالعربية مع الأبناء. الإنجليزية مادة دراسية مهمة، لكنها لا يجب أن تكون الحياة كلها.
مركز “زاي” ومقارباته الجديدة في البحث والتدريب
يقدم مركز “زاي” نفسه كمتخصص في مجالات تحديث تعليم اللغة العربية وتعلمها. لاحظ المركز، من خلال سنوات من الملاحظة، أن تعليم اللغة العربية في الغالب رديء، وغير منتظم، ولا يلقى العناية الكافية من حيث التعليم أو التمويل أو السياسات التربوية واللغوية. وهذا الوضع يخلق أزمة هوية، وأزمة وطنية، وأزمة وجودية، حيث يتساءل البعض: من نحن فعلاً؟
يرى المركز أن هذا الوضع موجود في كل البلدان العربية، ويزداد سوءاً بسبب الافتتان بكل ما هو أجنبي والإيمان بأن اللغة الإنجليزية هي المفتاح إلى مستقبل أفضل. لكن الدكتورة طه تؤكد أن ذلك وهم، وأن معرفة اللغات أمر جيد، ولكنه لا يجب أن يكون على حساب اللغة الأم.
مسارات عمل مركز “زاي”
يعتمد مركز “زاي” على مسارات عمل واضحة ومحددة:
- مسار بحثي: نشر الدراسات العالمية حول تعليم العربية للناطقين بها وترجمتها وتبسيطها.
- تطوير أدوات: بناء أدوات ذكية لتشخيص صعوبات القراءة وتقديم الدعم اللازم.
- تدريب المعلمين: توفير فيديوهات وموارد تعليمية للخبراء حول أحدث الأبحاث في علم الأعصاب وطرق تدريس اللغة.
المشروعات الرائدة: “سرد” و”بارق”
أطلق مركز “زاي” أداة ذكية باسم “سرد” لتشخيص صعوبات القراءة المبكرة عند الأطفال. كما يعمل على مشروع “بارق” بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي ومركز أبوظبي للغة العربية، وهو أول “مكنز” عربي يصنف مستوى أي جملة عربية، ويضم 10 ملايين كلمة مصنفة. تهدف هذه المشروعات إلى توفير أدوات عملية وموثوقة لدعم تعليم اللغة العربية وتحسينه.
نحو مستقبل واعد للغة العربية
تؤكد الدكتورة طه على ضرورة التعاون مع الجهات المعنية، مثل وزارات التربية والتعليم، لتطوير المشروعات اللغوية والوصول إلى نطاق أوسع. كما تطمح إلى إجراء بحوث حول الدماغ باستخدام الرنين المغناطيسي لفهم أفضل لكيفية تعلم اللغة العربية. وفي الختام، تدعو إلى التمسك باللغة العربية والتحدث بها في جميع المجالات، قائلة: “نحتاج إلى أن نصل للأهل والوزارات المعنية. نحتاج إلى أن نكون على قولٍ واحد “إحكوا عربي”.
