رغم نجاح الإمارات في استقطاب أهم الأسماء العالمية اللامعة في مجال عروض «ستاند أب كوميدي»، إلا أن هذا الفن – ببصمات المواهب المحلية – لايزال باحثاً عن الاعتراف، مكافحاً من أجل طرح نفسه بقوة على الساحة المحلية، دافعاً محترفيه وكذلك الصاعدين لخوض سلسلة من الاختبارات والتحديات وصولاً إلى الجمهور.. فما مستقبل هذا الفن؟ وما الحلول التي يطرحها رواده لتكريس حضوره على الساحة في الإمارات؟ كلها استفهامات حملتها «الإمارات اليوم» لصناع «الكوميديا على الواقف» لاستشراف واقع هذه التجربة، وخصوصيتها وآفاق تطورها في الشكل والمضمون.
«حلقة مفرغة»
من منطلق تجربتها، اعتبرت الفنانة سلامة القبيسي، التي تعد أول إماراتية تخوض غمار «ستاند أب كوميدي» أن الجمهور المحلي لايزال بحاجة إلى المزيد من الوقت لتقبل فكرة هذه النوعية من العروض.
وشددت على أن من الضروري أن يحرص «الكوميديان» نفسه على تقديم أفكار وموضيع تلامس قضايا المجتمع وتعكس واقعه واهتماماته والابتعاد عن الأفكار السطحية والمواضيع غير الهادفة، مضيفة «ما دام (ستاند أب كوميديان) نفسه لا يحترم هذا الفن فسنبقى ندور في حلقة مفرغة، لأن هناك فرقاً شاسعاً بين (الكوميديان) الذي يشرف بالكامل على ابتكار وصياغة أفكاره لتقديمها بأسلوبه الخاص ونكهته المميزة أمام الجمهور، وبين المؤدي الذي يردد ما يكتبه له فريق الإعداد».
وأضافت سلامة «كما يجب على من يدخل هذا المجال الصعب دراسة مبادئه وأصوله، إذ لا يتقن الارتجال الذي يرتكز عليه هذا الفن إلا المتقن لأصوله والدارس لأساسياته، في الوقت الذي تلعب فيه الخبرة دوراً رئيساً في تجربة الكوميديان الذي قد يخاطر بالقضاء على مسيرته أمام الجمهور في حال أخطأ في تقدير الموقف، أو تمادى في حدود تقديم النكات بطريقة غير محسوبة النتائج».
قلة العروض
أما الفنان الإماراتي محمد العتابي، فتوقف عند جانب مهم من أزمة هذا الفن في الإمارات، وهو قلة العروض التي تقدم باللغة العربية، وذلك على الرغم من تجربة «مهرجان دبي للكوميديا» في هذا المجال، التي تستقطب كل عام عدداً من نجوم «ستاند أب كوميدي» الأجانب.
ورأى أن السبب الحقيقي وراء قلة المواهب الإماراتية في هذا اللون عائد إلى قلة الدعم الرسمي لهذا الفن ولأصحابه من قبل الهيئات والجهات الثقافية المسؤولة في الدولة. وقال: «مازالت الجهود فردية في هذا المجال، ومتصلة بسعي بعضنا إلى تشكيل مجموعات صغيرة لا تمتلك القدرة المادية ولا المعنوية على الترويج لنفسها بالشكل المطلوب للوصول إلى الجمهور، وهذا أمر متعب بكل تأكيد على كل الأصعدة».
وأضاف العتابي «نضطر في معظم الأحيان إلى التعاقد مع المقاهي والمطاعم الخاصة لتقديم عروضنا، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تقديمها على خشبة المسارح وفي الأماكن العامة، في ظل غياب التعاون والتنسيق والدعم الكافي من قبل الجهات المعنية، ما يصعب علينا البلوغ إلى الجمهور، وذلك، على الرغم من وجود العديد من المواهب الشابة الراغبة في تقديم أفكار جديدة وهادفة تسهم في التأسيس لحراك فني جاد في مجال (ستاند أب كوميدي) الإماراتي».
واختتم العتابي حديثه مع «الإمارات اليوم» بنبرة متفائلة، قائلاً «بلدنا يعد نموذجاً ناجحاً وحلماً لكثيرين من حول العالم، بما حققه من تجارب فريدة وحلول سباقة، ولعله الأمر الذي دفع ولايزال فناني (ستاند أب كوميدي) فيها إلى مواصلة إنفاق وقتهم وجهودهم للوصل إلى الجمهور، والارتقاء إلى المستوى الذي يطمحون إليه، لأنهم مدركون لما لديهم من فرص وطاقات قادرة على قيادة مستقبل هذا الفن قريباً».
خلط
من جهته، يتشارك «ستاند أب كوميديان» الإماراتي عبدالله علي، الملقب فنياً بـ«أبز»، الرأي مع زميله العتابي، موضحاً أنه يقدم معظم عروضه باللغة الإنجليزية، مثلما حدث خلال مشاركته في مهرجان دبي للكوميديا، الذي شهد مشاركة لعدد من نجوم الغرب. وأضاف «كنت سعيداً للغاية بأن الجمهور سأل مرات كثيرة، وأعرب عن استغرابه لعدم معرفته بوجود فنانين إماراتيين شباب يخوضون غمار هذا الفن، وينجحون في الوصول إلى الجمهور، رغم بساطة الإمكانات. ولنعترف بأننا بدأنا نتلمس تحسناً ملحوظاً في تجارب عدد من المواهب الإماراتية الصاعدة التي تقدم هذا الفن في السنوات الـ10 الماضية، وأعتقد أن السبب يعود إلى خطوة أكاديمية (دوبوميدي) التي أسسها الفنان علي السيد، واستطاع من خلالها تكريس ضرب من النشاط والحركية الفنية، وتأسيس حراك حقيقي وفعال في المجال محلياً، وبالتالي تفعيل إمكانية النهوض بهذا الفن رغم التحديات».
وتوقف «أبز» عند مسألة الخلط بين عروض «ستاند أب كوميدي» والعروض المسرحية الكوميدية، مشيراً إلى تعلقها بثقافة الجمهور الذي مازال بحاجة إلى مزيد من الوقت لتقبل فكرة هذا الفن وموضوعاته، وحتى أنماط تقديمه المباشرة، المرتكزة على تجربة الكوميديان «الأحادي» الذي يواجه الجمهور دون نص ومؤثرات صوتية و«سينوغرافيا» مبهرة.
وذكر أن فنان «ستاند أب كوميدي» يحتاج إلى مزيد من التقبل والانفتاح الجماهيري على الأفكار والموضوعات التي يطرحها مباشرة على المسرح، وأن يتم التمييز بين خصوصية العروض المسرحية الكوميدية المقدمة على خشبة المسارح وتجارب هذا الفن المغايرة في الشكل والمضامين.
لا للاستسهال
من جانبه، قال الفنان عبدالله الأنصاري، إن التجارب الإماراتية في هذا المجال لم تتطور بالشكل الكافي، مقارنة بواقعها الحالي في الدول الغربية، وفي بلدان مثل أميركا، ما يجعل «ستاند أب كوميدي» فناً غريباً عن الثقافة الإماراتية والعربية، وهو الأمر الذي يفسر بالتالي عدم نجاحها الحالي في التوسع والوصول إلى شرائح متنوعة من الجمهور، المتابع لمعظم عروضها باللغة الإنجليزية، ما اعتبره سبباً إضافياً في ابتعاد الجمهور الإماراتي عنها. وأضاف «معظم من يحضر هذه النوعية من العروض لا يميز بين المسرحية وعرض (ستاند أب كوميدي)، على عكس الجمهور الناطق بالإنجليزية، الذي نلاحظ تفاعله الدائم معها من خلال عشرات العروض الناجحة التي تقام في الإمارات، والتي تدعمها بالطبع أرقام المبيعات وبطاقات تذاكر العروض العربية».
وحول ما إن كانت قلة المواهب وراء أزمة هذا الفن في الإمارات، أيد الأنصاري فكرة «انكماش المشهد المحلي» في المجال «ومازالت التجارب الإماراتية فردية للغاية، ما يجعلنا في حاجة إلى اكتشاف المزيد من المواهب وإعدادها لتقود واقع هذا الفن في الإمارات، من خلال تشجيعهم على الانخراط في ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة تعدهم بالشكل المطلوب، وتنأى بهم بالتالي عن الاستسهال الذي بدأت بوادره تطفو على السطح في عدد من التجارب المطروحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، التي شجعت عدداً ممن يمتلكون موهبة الكوميديا إلى الانتقال إلى (ستاند أب كوميدي) وخوض غماره، دون سابق معرفة وتعمق في المجال».
تجربة «خالصة»
حول هموم «ستاند أب كوميدي» في الإمارات، دعا الفنان عبدالله الأنصاري إلى ضرورة كسر انتماء هذا النوع من الفنون إلى الغرب، مشيراً إلى أن معظم نجومه يعمدون إلى تقليد العروض الأجنبية، رغم عدم صلاحية معظم موضوعاتها، خصوصاً الأسرية والأخلاقية، لمجتمعنا. وأضاف «نحتاج إلى موضوعات مغايرة، تعكس واقع المجتمع، وتؤسس لتجربة إماراتية خالصة حتى على صعيد الاسم، فليس من الضرورة أن نؤطر تجاربنا الفنية ضمن حدود (ستاند أب كوميدي) أو (الكوميديا على الواقف)، لو أحببنا ترجمتها، وإنما أن نبحث عن طريقة متفردة لسرد القصص التي نقدمها في إطار جديد، قد يأخذ من (ستاند أب كوميدي) ومن بقية فنون العرض والفرجة المسرحية، ما قد يكون ابتكاراً عربياً خالصاً، يقدم إضافة نوعية تحسب للمواهب الإماراتية المبدعة»
جهود ومحاولات
عن غياب الدعم الرسمي لمواهب «ستاند أب كوميدي» في الإمارات، نفى عبدالله الأنصاري وجود تقصير في هذا المجال، في ظل قلة العروض الإماراتية المقدمة باللغة العربية، مضيفاً «المشهد في تحسن وتطور ملحوظين مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، إذ نجد أن العديد من الجهات العاملة في المجال أسهم بشكل أو بآخر في دعم عروض (ستاند أب كوميدي)، والدليل مهرجان دبي للكوميديا الذي يقام منذ سنوات عدة، ويشهد كل عام مع ازدياد عدد المواهب الجديدة، زيادة مطردة في المشاركات الفنية الإماراتية، وهذا أمر مبشر يدعم واقع هذا الفن ويوسع جمهوره، ومن ثم مستقبل انتشاره محلياً».
.
• من أزمات هذا الفن.. قلة العروض التي تقدم بالعربية، وغياب الدعم من وجهة نظر مبدعين.
• لا يتقن فن الارتجال الذي يرتكز عليه «ستاند أب كوميدي» إلا المتقن لأصوله والدارس لأساسياته.