من حكاية والدها، اكتسبت الإماراتية منى عبدالله آل علي شغفها بالتراث البحري، بكل ما يحمله من حِرَف وصناعات تقليدية أصيلة، إذ كان أبوها يعمل في الصيد والمهن المرتبطة به، التي حرص على تقديمها للجيل الشاب من خلال قريته التراثية المتنقلة.
هذا العشق للتراث، دفع منى آل علي إلى خوض غمار تجربة أدبية هدفها التوثيق، وذلك عبر كتابها الأول «تراث الإمارات البحري»، الذي هدفت من خلاله إلى الحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وتقديمه للأجانب، إذ عمدت إلى أن يكون كتابها باللغتين العربية والإنجليزية.
مرجع أساسي
وحول الفكرة وكيف تبلورت، قالت منى آل علي لـ«الإمارات اليوم»: «يعد هذا الكتاب تجربتي الأولى مع الأدب، وهي متميزة وملهمة، لأن الفكرة الأولى الخاصة بإنجازه كانت من والدي، رحمه الله، إذ طلب مني تقديم كتاب خاص بالتراث البحري، بحكم تخصصه وعمله في البحر وحرفه المتنوعة، وأراد أن يوثقها في إصدار يشكل مرجعاً خاصاً بهذه المهن، لاسيما أنه لمس اهتمام الناس، خصوصاً الأجانب، بهذه الحِرف».
وأضافت «اعتمدت على معلومات والدي كمرجع أساسي للكتاب، لأنه كان يعمل مع جدي في مجال الصيد، وصناعة أدواته، وكذلك السفن التقليدية، ومنها الشاشة، إذ احترف المهنة ونقلها الى إخوتي، وكذلك إلى الجيل الشاب من خلال الفعاليات والمشاركات في المهرجانات التراثية».
وأوضحت أنها تعمدت ترجمة ذلك إلى الآخرين، لأن الكثيرين من الراغبين في الحصول على معلومات عن المهن التراثية هم أجانب، لافتة إلى أن الكتاب يعتمد على الكثير من الصور التي توثق المعلومات. ونوهت بأنها تعمدت تقديم طرق صناعة الشاشة وأدوات الصيد، ومنها «القرقور»، والتي في مجملها تعتمد على المواد الخام المستخرجة من النخل، دون اللجوء إلى أي مواد صناعية.
نسخة أولية
أما الصور التي استعانت بها، فالتقطتها منى آل علي بنفسها من قرية والدها التراثية المتنقلة التي كان يشارك من خلالها في العديد من الفعاليات، وتشتمل على كل الأدوات الخاصة بهذه الحرف والصناعات.
وصنفت منى الكتاب بأنه «عائلي الصنع» من حيث الفكرة والتوثيق والتنفيذ، باستثناء القليل من الصور التي اعتمدت عليها من مصادر خارجية، ولكن بمجملها موثقة المصادر.
ورغبة منى في أن يشهد والدها إطلاق الكتاب قبل رحيله، جعلتها تقوم بإطلاق نسخة أولية أنجزتها خلال سنة، وشاركت بها في مهرجان الشارقة القرائي، ولكنها عملت بعدها على إطلاق نسخة محدثة من «تراث الإمارات البحري» من أجل إطلاقها في المكتبات، وكذلك مكاتب الدولة المحلية والعالمية.
ورأت منى آل علي أن جمع المعلومات في كتاب هو أبرز التحديات التي واجهتها خلال التحضير لإصدارها، كاشفة عن أنها جلست مع والدها، ووضعت البناء الخاص بالكتاب، وكانت توثق المعلومات من خلال روايته عن كل أداة من أدوات العمل بالصيد والبحر على نحو تفصيلي. ونقحت المعلومات بشكل أدبي، فضلاً عن الاعتماد على شرح المصطلحات العامية باللغة العربية الفصحى، مع الاعتماد على كتابة المسميات التراثية باللهجة المحكية الإماراتية.
ذاكرة بحرية
وترتبط ذاكرة منى آل علي بالتراث البحري من خلال ذكرياتها مع والدها، مشيرة إلى أنها كانت ترافقه على نحو دائم في مشاركاته المتنوعة في المهرجانات والفعاليات، وأجمل الذكريات مشاهدتها لوالدها حين عمل على بناء سفينة «الشاشة»، التي كانت أكبر شاشة صنعها، وتألفت من 2000 سعفة من سعف النخيل، وكاد يحقق بها رقماً قياسياً في موسوعة غينيس، كما شارك بهذه «الشاشة» في احتفالات عيد الاتحاد، وفي مسيرة في البحر من الفجيرة إلى أبوظبي.
رهان على الأدب
وتراهن منى على الأدب بأن يكون السبيل لترسيخ التراث المحلي، لأنه يتيح تقديم الندوات وكذلك نقل التجارب التي تحمل في طياتها الكثير من المشاعر للقراء والمهتمين، ويمكن الجميع من الحفاظ على التراث والماضي، والإسهام في استمرارية الحرف التقليدية.
ومن المشاريع التي ترغب في تقديمها في الفترة المقبلة، كتاب عن مهن وحرف تقليدية منزلية، ومنها التي تقوم بها والدتها في المنزل، كالتلي والمخرافة وغيرهما من الأدوات التي كانت في المنزل، لأن والدتها تعمل على هذه الأشياء الأصيلة.
جلسة حوارية
شاركت منى عبدالله آل علي في «صندوق القراءة» بدبي أخيراً، إذ قدمت محاضرة حول كتابها «تراث الإمارات البحري»، الذي يأخذ القارئ في جولة متعمقة بالتراث البحري، ويلقي نظرة على أسلوب حياة كاد يختفى.
وقالت إن الجلسة شكلت فرصة للالتقاء بالجمهور والتفاعل معه، وكذلك هي فرصة لتعريفه بأسرار التراث البحري والمهن المرتبطة به عن قرب.
منى آل علي:
. تجربتي الأولى هدفت إلى الحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وجعلت الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية لأوجهه للسياح.
. أصدرتُ نسخة أولية من الكتاب ليراها والدي قبل وفاته وعملت بعدها على إطلاق نسخة محدثة من الكتاب.