ظننا لفترة من الزمن بعد انقضاء كورونا أن أفلام الثلاث ساعات انتهت أو تركت لمنصات البث التدفقي على الإنترنت، ولكن يبدو أن هذا كان تصوراً خطأ لأن أفلام الثلاث ساعات أو ما فوق الساعتين، عادت إلى دور السينما العالمية وبثقة عالية. فبعد «جون ويك 4» جاء «إنديانا جونز 5» واليوم «مهمة مستحيلة 7»، وكلها أقل من ثلاث ساعات بعشر دقائق.
«مهمة مستحيلة» سلسلة دراما التجسس و«الأكشن» الأقوى في القرن الـ21 لم تضعف قط منذ شاهدنا الجزء الأول عام 1996. نعم كان هناك فيلم سيئ عام 2000 خُدعت به هوليوود عندما استعانت بجون وو الخارج من غمرة نجاح Face/Off، فحوّل «مهمة مستحيلة» إلى فيلم «أكشن» صيني. ثم جاءنا فيلم متوسط المستوى عام 2006 من إخراج جي جي أبراهام قبل أن يتولى نجم السلسلة، توم كروز، مهمة الإنتاج وتصحيح مسار السلسلة عام 2011.
هذا الفيلم – وهو السابع بعنوان فرعي «ديد ريكوننغ 1» – يشير بوضوح إلى جزء ثامن قادم في يونيو 2024، قيل إنه سيختم السلسلة، لكن نجمها كروز صرح بأنه مستمتع بوقته جداً ولا يريد التقاعد على الرغم من أنه بلغ 61 عاماً (يبدو كأنه 40 في الفيلم)، وأما الكاتب والمخرج كريستوفر مكواري فقال إن لديه مزيداً من الأفكار للاستمرار.
انضم مكواري إلى السلسلة من الفيلم الخامس «أمة مارقة» عام 2015، وهو مستمر في كتابة السلسلة وعلى كرسي الإخراج إلى اليوم. ومنذ انضمامه تطورت السلسلة تطوراً مذهلاً. فأول ما فعله الرجل هو انتشالها من حالة البعثرة (لا نقول إنها كانت سيئة إطلاقاً)، ولكنه أضفى عليها نظاماً كانت في أمسّ الحاجة إليه. ومع النظام أصبحت السلسلة ثابتة ومتناسقة.
اعتمد منهاج مكواري على دمج عناصر الفيلم الجاسوسي مع مشاهد أكشن واقعية وعالية الجودة وخطرة جداً، يؤديها النجم كروز بنفسه دون الاستعانة بممثل مجازفة. في هذا الفيلم بسط مكواري القصة وزاد جرعة «الأكشن».
بالطبع هناك مؤثرات خاصة لكن كروز له لقطاته المميزة والخطرة، مثل القفز من حافة جبل بدراجة نارية، ثم إطلاق مظلة «الباراشوت» والهبوط أرضاً، فضلاً عن مطاردة سيارات يقود فيها كروز المقيد مع شريكته، هيلي أتويل فيات صفراء صغيرة، ومشهد جميل لقطار يسقط من مساره المعلق، سيجعل جيمس مانغولد وهاريسون فورد يبكيان بحرقة على مشهد قطار إنديانا جونز البائس والممل ما تبقى من مسارهما الفني.
يعود هنري تشيرني في دور يوجين كيتريج رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وفرع المهمات المستحيلة، وهو رئيس العميل إيثان هنت (كروز). عشاق السلسلة ممن لهم ذاكرة جيدة، يعلمون أنه كان الفيلم الأول من إخراج برايان دي بالما.
وأعيد هنا ليأخذ مكان أليك بولدوين الذي انتهى دور شخصيته في الفيلم الماضي. ومثل إنديانا جونز ذا دايل أوف ديستني، فإن مهمة هنت هي العثور على نصفي مفتاح إن اندمجا وتحوّلا إلى مفتاح واحد، فإنه يمكّن صاحبه من التحكم في أقوى نظام ذكاء اصطناعي في العالم هو «الكيان» كما يسميه الفيلم. وهو بقوة «سكاي نيت» نظام الذكاء الاصطناعي في أفلام «ترمينيتور».
وهذه أعمق نقطة تصل إليها أفلام «مهمة مستحيلة» في مجال الخيال العلمي. بالطبع مهمة هنت – لو اختار قبولها – فهي العثور على نصفي المفتاح والعودة به إلى الولايات المتحدة ليسلّمه إلى كيتريج، فتكون واشنطن متقدمة بخطوات على «الكيان» بمجرد أن تحدد مكانه. ونحن نعرف من المقدمة أن النظام موجود على متن غواصة روسية مدمرة في أعماق المحيط.
يبدأ هنت روتينه وهو عبارة عن جولة عالمية اعتدنا عليها من الربع الخالي ثم قاعدة الظفرة الجوية في دولة الإمارات، ثم مطار أبوظبي الدولي، حيث يلتقي بفريقه لوثر (فينغ ريمز – الوحيد مع كروز منذ الفيلم الأول)، وبينجي (سيمون بيج)، والعميلة الصديقة المارقة إيسلا فوست (ريبيكا فيرغسون) ليعملوا ضد الأرملة البيضاء (فينيسا كيربي) وحارسها زولا (فريدريك شميت).
أما الوجوه الجديدة في هذا الفيلم فهي العميل جاسبر بريغز (شيا ويغام)، واللصة المحترفة غريس (أتويل)، والشرير غابراييل (ايساي موراليس)، وحارسته باريس (الفرنسية الكندية بوم كليمنتيف). غابراييل لا يكتفي بعلمه في مكان الكيان، ولكنه يتشارك ماضياً دموياً مع إيثان هنت.
من الواضح أن القصة لم تنته وآخر لقطة نرى فيها هنت ذاهباً للبحث عن الغواصة. وعلى الرغم من هذا فإن الفيلم كنصف قصة متوازن ومرتب بشكل مثالي، مقارنة بأنصاف الأفلام التي طرحت هذا الصيف مثل «فاست X»، ولو افترضنا أن أنصاف الأفلام ستكون السمة الجديدة لأفلام «الأكشن» ذات الميزانية الضخمة، فإن طريقة مكواري وفريقه هي النموذج الأمثل للاحتذاء بالشكل الصحيح.
لو جمعت كل مشاهد «الأكشن» وألصقتها بعضها ببعض لظننت أنك تشاهد اختبار قدرة. المشاهد الفاصلة بين لقطات «الأكشن» الطويلة عبارة عن حوارات وشرح للقصة. ورغم أن القصة مبسطة فإن الحوارات طويلة وتشرح أفكاراً بشكل مكرر نوعاً ما طوال الفيلم، وهو ما يفقد الـ90 دقيقة الأولى منه بعض التوازن.
العلاقة الطيبة بين الممثلين تنعكس بشكل واضح على الشاشة، فالود والمحبة يبدوان ظاهرين بوضوح على وجهي فينغ ريمز وسيمون بيغ، عند تفاعلهما مع كروز عبر السنوات الماضية. وجود فيرغسون في الفيلم تقريباً لم يكن له داع، فلا دور لها إلا إكمال ما تبقى لها من الفيلم الماضي ولن تعود مستقبلاً.
تأثر «مهمة مستحيلة: ديد ريكوننغ 1» بـ«جون ويك»، كما تأثر جيمس بوند بـ«جيسن بورن» منذ 15 عاماً. قد ينقص «مهمة مستحيلة» التاريخ ليضاهي أفلام جيمس بوند في كلاسيكيتها، لكنه حتماً تفوّق عليها في الجاسوسية و«الأكشن»، كما تفوق في السرعة على فين ديزل وأفلام «فاست».
ملامح وأداء
موراليس ممثل جيد ولكنه غير بارع في دور الشرير، ولن نتذكره أبداً بعد الفيلم. فلا ملامحه تساعد ولا حتى أداؤه، بعكس سلفه سولومون لين (شون هاريس) الذي قدم أداء استحق الإطراء في «أمة مارقة» وFallout. العكس يمكن أن يقال عن بوم كليمنتيف (مانتيس من فيلم «حراس المجرة» لمن لا يتذكرها) في دور قاتلة شريرة نجحت في سرقة اللقطات التي ظهرت فيها.
• هذا الفيلم وهو السابع بعنوان فرعي «ديد ريكوننغ 1» يشير بوضوح إلى جزء ثامن قادم في يونيو 2024.
• قد ينقص «مهمة مستحيلة» التاريخ ليضاهي أفلام جيمس بوند في كلاسيكيتها، لكنه حتماً تفوّق عليها في الجاسوسية و«الأكشن».
• الفيلم كنصف قصة متوازن ومرتب بشكل مثالي، مقارنة بأنصاف الأفلام التي طرحت هذا الصيف.