أكد مثقفون أن الوعي المجتمعي هو أفضل وسيلة لحماية المجتمع وقيمه وتقاليده وأخلاقه، مما يصل إليه من محتوى يخالف هذه القيم والأخلاق، إلى جانب الدور الذي تقوم به مؤسسات الدولة المختلفة في هذا الاتجاه. موضحين أن تطوّر وتعدّد منصّات العرض الرقمي، التي تعرض مئات الأعمال الأفلام والأعمال الدرامية ويمكن الوصول إليها بضغطة زر، زادا من المسؤوليات الملقاة على الأسر والمؤسسات التربوية والمجتمعية لحماية الأطفال والنشئ من المحتوى المخالف للقيم والآداب العامة.
عدم تساهل
ودعت أستاذة الإعلام الرائدة، الدكتورة حصة لوتاه، الجهات المسؤولة إلى عدم التساهل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأفلام ذات المحتوى المخالف للقيم الأصيلة والشرائع السماوية في دور العرض السينمائي. لافتة إلى أن السينما لها قدرة تفوق المنصّات الرقمية على التأثير في المتفرج، بفضل ما تتمتع به من عناصر وبيئة خاصة، مثل حالة الصمت في القاعة، وتصميم جلسة المتفرج، وحجم الشاشة الكبير، كلها عوامل تلعب دوراً مهماً في إيصال رسالة الفيلم للمتفرج بشكل مركز، قد لا يتوافر في المنصّات الأخرى.
رسائل خفية
وكشفت لوتاه أن الرسائل التي قد يحملها الفيلم لا تعني بالضرورة ما يقدمه من قصة أو محتوى مباشر، فكثيراً ما تكون هناك رسائل مخفية، وقد تستغرق لمحة وتمر دون أن ينتبه إليها المشاهد، ولكنها تصل إلى عقله، كذلك قد يحمل تصميم المشهد السينمائي رسالة بصرية ذات مغزى معين تترسخ في اللاشعور. مضيفة: «هناك كثير من الرسائل تمر علينا دون أن ننتبه، لأننا كعرب علاقتنا بالسمع أقوى من البصر، وهي ليست نقيصة، لكننا أيضاً نفتقد ثقافة تحليل الصورة، واعتدنا ان نأخذ الأمور على علاتها».
وشددت على أن الهدف النبيل يتفق عليه الجميع، ولا يمكن أن يسعى أحد إلى منعه، لكن يصبح المنع والتصدي ضروريين عندما تكون الرسالة مخالفة للدين والقيم السائدة في المجتمع، كما يجب علينا أن نتوقف لندرس ونبحث عن هذه الرسائل ومبررات طرحها في هذا الوقت وما يمكن أن ينتج عنها من نتائج.
إجراءات مطمئنة
وأعرب المخرج أحمد زين، عن اطمئنانه إلى الإجراءات المتبعة في دولة الإمارات للتصدي لأي محتوى قد يشكل خطراً على المجتمع أو يخالف قيمه وتقاليده، مشيراً إلى أن تعدّد واختلاف طبيعة منصّات العرض وتوافرها في البيت تفرض مسؤولية أكبر على الأسرة، لتوعية الأبناء بكيفية اختيار ما يشاهدونه ويتفاعلون معه من محتوى عبر رقابة ذكية غير مباشرة حتى تكون مقنعة للأبناء.
واعتبر زين أن هناك العديد من الأعمال السينمائية والدرامية العربية، التي تقدم محتوى متميزاً ويعكس واقع مجتمعاتنا العربية ويتفق مع عادتها وتقاليدها، واستطاعت أن تصل إلى الجمهور، خصوصاً الشباب، سواء عبر العرض في دور السينما، أو حتى على منصّات العرض الرقمية، داعياً إلى تقديم المزيد من هذه الاعمال المتميزة.
مهمة صعبة
وأوضح المستشار الإعلامي، رافد أحمد الحارثي، أن «فكرة التحكم في أي محتوى يتم تقديمه حالياً مع ظهور منصّات الترفيه مدفوعة الأجر باتت أمراً شبه مستحيل، خصوصاً مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال، التي على الرغم من فوائدها المذهلة، فإنها تسببت في مخاوف عميقة بشأن تأثيراتها الخطيرة على منظومات القيمة في المجتمعات وإمكانية لعبها دوراً خطيراً في طمس الهوية»، مضيفاً: «في واقع الأمر شهدت السنوات الماضية تطوّرات كبيرة في ما يخص تقديم المحتوى الفني، بعد دخول منصّات الترفيه مدفوعة الأجر إلى المجال وسحبها البساط بقوة من السينما والتلفزيون ومنصّات الترفيه التقليدية، ولكن الأزمة الحقيقية أن هذه المنصّات تتحرك وفق منظومة قيم قد تكون متعارضة مع منظومة قيم عدد من المجتمعات، وهو ما يجعلها قد تشكل تهديداً لتلك المجتمعات».
الأكثر روّاجاً
وأشار الحارثي إلى إحصاءات عالمية تفيد بأن منصّات الترفيه مدفوعة الأجر، باتت تجذب حالياً نحو ثمانية مليارات شخص ما يجعلها أكثر روّاجاً، ووصولاً إلى الجمهور من قاعات السينما، وهذا القدر الكبير من الوصول يظهر أن هناك حاجة ماسة لتحرك دولي موحد، حتى لا تتحول تلك المنصّات إلى مسيطر حقيقي على الرأي العام العالمي. وأضاف: «كذلك بات من المهم الحديث عن وضع قوانين عالمية منظمة للذكاء الاصطناعي، وأن تكون هناك لوائح سلوكية يجب ألا تتجاوزها منصّات الترفيه، بحيث تكون ملائمة لجميع المجتمعات، لكن الأزمة في اختلاف منظومة القيم وطبيعتها بين من يتصدى لصياغة هذه اللوائح وبعض المجتمعات، التي قد ترى بعض أنواع المحتوى غير ملائمة لمجتمعاتهم، فيما يرى آخرون أنها تندرج ضمن حرية التعبير والرأي».
قوانين عالمية
ودعا الحارثي إلى مواجهة هذا الأمر، وأن يتوحد المجتمع الدولي للمطالبة بأن يكون هناك إشراك واضح ومتوازن لجميع الفئات والمجتمعات والعرقيات في وضع هذه اللوائح المنظمة لعمل منصّات الترفيه مدفوعة الأجر، مثلها مثل لوائح الذكاء الاصطناعي. وتدشين حملات توعية محلية وإقليمية بالطرق المثالية للتعامل مع أنواع المحتوى المختلفة والطرق المثالية، لتجنب المحتوى غير المناسب لهم ولأسرهم. إلى جانب ضمان ألا يتم استخدام منصّات الترفيه أو الذكاء الاصطناعي في انتهاك حقوق الملكية الفكرية، أو التضليل والترويج لمعلومات كاذبة عبر تقنيات «التزييف العميق».