يُشكل فيلم Guy Ritchie’s The Covenant فرصة للمخرج الإنجليزي غاي ريتشي للخروج من منطقة الأمان، وتجربة فيلم دسم بعض الشيء بدل أفلام العصابات الساخرة والهزلية ذات حوارات السطر الواحد التي سئم الجمهور منها.
شيء واحد أبقى عليه ريتشي في هذا الفيلم وهو العامل الذكوري المهيمن على كل أفلامه، لكن ريتشي يوظّفه هنا بشكل مختلف عن أفلامه السابقة. بلا شك ريتشي يصنع فيلماً ناضجاً وبمعانٍ عميقة وحتماً أعمق من سطحيته التي عودنا عليها.
يضع المخرج اسمه قبل عنوان الفيلم كأنه يعظم ذاته، وهو أسلوب لا يفعله سوى صناع أفلام عمالقة مثل ألفريد هيتشكوك. يدعي استوديو الإنتاج أن سبب إضافة اسم المخرج لتجنب خلط هذا الفيلم بفيلم رعب بالاسم نفسه، ولكنه ليس سبباً مقنعاً؛ إذ من الواضح أن ريتشي أضاف اسمه كنوع من التسويق للفيلم، وكأنه يقول للجمهور أن هذا فيلم مختلف عن تجاربه السابقة مثل «لوك ستوك أند تو سموكنج باريلز» و«سناتش» و«شيرلوك هولمز».
تبدأ الأحداث عام 2018، بعد 17 عاماً من الغزو الأميركي لأفغانستان نتيجة أحداث 9/11 وتحول حملة الحرب الأميركية على الإرهاب إلى حرب استنزاف لواشنطن. كان من الواضح لمخططي الحملة أن نصراً تقليدياً من المستحيل حدوثه، وأن أفضل سيناريو لإنهاء الحرب هو تجنب سيناريو فيتنام، لكن ما حدث في أغسطس 2021 كان بالضبط سيناريو الخروج من فيتنام.
الأسوأ – حسب الفيلم – أن الحكومة الأميركية لم تلتزم بوعودها تجاه الأفغان الذين تعاونوا معها في تلك الحملة، وهذا هو موضوع الفيلم الرئيس. وكان وعدها للمتعاونين منحهم جوازات أميركية ونقلهم للعيش في الولايات المتحدة لكن للمحظوظ منهم.
الرقيب جون كنلي (جيك ييلنهيله) يترأس وحدة إيجاد وتدمير العبوات الناسفة اليدوية، عندما يقتل مترجمه في فخ بعبوة ناسفة، ينضم إليه في ما بعد مترجم جديد اسمه أحمد (العراقي – الدنماركي دار سالم) المدرب على القتال وعلى فهم عقلية العدو.
يتمكن أحمد من تخمين كمين قبل وقوعه وتحذيره المبكر لوحدة كنلي ينقذ حياة سبعة رجال. تُغير الوحدة على مخبأ عبوات ناسفة لـ«طالبان» لكن الغارة تتحول إلى حمام دم، والناجيان الوحيدان هما أحمد وكنلي.
يُصاب كنلي بجروح فيحميه مترجمه من هجمات «طالبان» ويحمله أحمد لمسافة طويلة عبر الجبال حتى يصلوا إلى قاعدة باغرام الجوية. يصبح أحمد على رأس قائمة «طالبان» للمطلوبين أحياء أو أمواتاً ويضطر إلى الاختباء مع زوجته بصيرة (الإيرانية – الإسبانية فاريبا شيخان).
في كاليفورنيا يعيش كنلي كابوس ضمير، إذ لا يستطيع العيش وهو يعلم أن الرجل الذي أنقذه مختبئ خوفاً على حياته. يحاول كنلي الضغط لإصدار تأشيرة هجرة لأحمد وعائلته لكنه يصطدم ببيروقراطية تشعل الرأس شيباً. فيقرر العودة إلى أفغانستان متنكراً مع مقاول أمني لإخراج أحمد وعائلته.
نبرة حزينة
«ذا كوفنانت» فيلم أكشن بطابع عسكري تقليدي حتى الربع الأخير منه حين يصبح مختلفاً. يقل التركيز على القتال وحماس إبراز البطولات لصالح نبرة تأملية حزينة في الوضع المزري الذي يحدث للمترجمين أو المتعاونين مع القوات الأميركية حين تفكك وحداتهم نتيجة إصابة أو موت أغلب أعضائها.
لا ينحدر الفيلم لينحصر في فكرة الرابط أو الصداقة بين رجلين من خلفيتين أو ثقافتين. كنلي وأحمد يعملان كفريق واحد وشراكتهما تنشأ من أجل النجاة لا من أجل التعرف إلى بعضهما بعضاً. ويحرص الفيلم على تأكيد أن إنقاذ أحمد لكنلي ليس لأنهما صديقان يعرفان بعضهما بعضاً وإنما لأن أحمد تربّى على احترام ميثاق الشرف.
بطولة ثنائية
هذا ليس نسخة محدثة من فيلم The Defiant Ones لستانلي كريمر عام 1958، حيث كان سيدني بواتير وتوني كيرتس سجينين أبيض وأسود في وثاق واحد يحاولان الهروب بعد تحطم الشاحنة التي تقلهما. إنما هذا فيلم عن وضع المترجمين الأفغان بعد تفكيك وحداتهم.
أفلام الحرب غالباً نوعان: إما تلك التي تثير الحماس أو تلك التي تبرز وحشية الحرب وأهوالها، إلا أن مسار هذا الفيلم هو بطولة ثنائية وعندما ينتهي ينتاب المشاهد حزن لأن ريتشي يطرح أسئلة غير مريحة طرحتها هذه الحرب وبقيت بلا إجابات حتى انسحب الرئيس بايدن منها بشكل فوضوي منذ عامين.
يطرح ريتشي الأسئلة دون توجيه إصبع الاتهام لأحد. لم يحقق «ذا كوفنانت» عائدات مالية جيدة في شباك التذاكر، وأصلاً لم يكن متوقعاً أن يفعل ذلك لأن موضوعه مخزٍ لكثير من الأميركيين الذين لن يستطيعوا محو مشهد تعلق الأفغان بالطائرات العسكرية المغادرة وسقوطهم منها. في الوقت نفسه فليس هناك الكثير من الأكشن ليأتي جمهور ويشاهد الفيلم.
ولكن يسعنا القول على الأقل إنه أحد أفضل أفلام ريتشي في مسيرته الممتدة 25 عاماً والأفضل في الأعوام الـ10 الأخيرة. «ذا كوفنانت» ليس قصة حقيقية تحديداً رغم الصور التي تظهر في نهاية الفيلم لجنود أميركيين مع مترجميهم لكن قصته رمزية للكثير من القصص المتشابهة التي وقعت خلال الحرب الأميركية على الإرهاب في المسرح الأفغاني من 2001 إلى 2021.
ملاحظة أخيرة
قد تلاحظ فيلماً حربياً آخر بعنوان Sisu، وهو فنلندي يعرض في السينما إلى جانب هذا الفيلم. نصيحة: تجنبه لأنه فيلم سطحي وتافه ولا يستحق المشاهدة.
• أحد أفضل أفلام ريتشي في مسيرته الممتدة 25 عاماً، والأفضل في الأعوام الـ10 الأخيرة.
• لم يحقق الفيلم عائدات جيدة في شباك التذاكر، وأصلاً لم يكن متوقعاً أن يفعل ذلك لأن موضوعه مخزٍ لكثير من الأميركيين.