استكشاف العالم والرغبة في توثيق الحياة البرية في البراري البعيدة، كان الدافع الأساسي للمصورة الإماراتية سعاد السويدي، التي تخصصت في مجال هندسة المباني في الولايات المتحدة الأميركية ونالت العديد من شهادات التميز، إلا أن كل هذه النجاحات المتلاحقة، لم تثنها عن اكتشاف شغفها في مجال التصوير لتصبح أول إماراتية وعربية توثق الحيوانات المفترسة والوحوش حول العالم.
تجارب «وعرة»
وتوقفت سعاد في حديثها لـ«الإمارات اليوم»، عند رحلتها الأخيرة إلى منطقة «جايبور» في الهند، التي خصصتها لرصد وتصوير النمر الملكي البنغالي، الذي يعتبر من أشرس الحيوانات في العالم ومن الصعب رصده إلا في الأماكن الاستوائية ذات درجات الحرارة المرتفعة، واصفة هذه الرحلة بالقول «استغرقت هذه الرحلة ما يقارب ثلاثة أسابيع وأعتبرها الأخطر في مشواري المهني، وذلك، بعد اضطراري للاقتراب من هذا الحيوان المفترس، والتقاط صور من مسافة قريبة جداً لدرجة أنه مر من تحت السيارة المكشوفة التي كنت أستقلها لهذه المهمة»، معلقة عن أخطار هذه التجربة الوعرة بالقول «الهدوء ورباطة الجأش هما المفتاح الأساسي للنجاح والنجاة من المخاطر، خصوصاً أن التصوير تم على مستوى العين».
عقبات ومخاطر
وحول عقبات التجربة والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها مصور الحياة البرية، أكدت السويدي، أن أولى خطوات الحماية تبدأ بأخذ اللقاحات والتطعيمات الخاصة تحت إشراف طبي تام لمواجهة الأوبئة والأمراض السارية في هذه المناطق النائية، مثل الملاريا وأنواع الحساسية المختلفة، مضيفة «أثناء رحلتي إلى كينيا في عام 2019، بقيت بعد عودتي إلى الإمارات، تحت الإشراف الطبي والعزل الصحي خشية تعرضي لفيروس أثناء تصويري للأسود والحياة البرية في تلك المراعي الممتدة، كما تعرضت أثناء رحلتي إلى نيبال في الرحلة
نفسها، إلى خطر الفيضان الكبير الذي ضرب المنطقة التي ارتأينا أن نتتبع فيها، أثر النمر الملكي البنغالي، في الوقت الذي حاولت لبوة، في رحلتي الأخيرة إلى إفريقيا في عام 2022، مهاجمة السيارة المكشوفة التي كنت أستقلها مرتين، لكن نباهة السائق وسرعة بديهته أسهمتا في إنقاذ الموقف وتجاوز الخطر بنجاح».
شغف وفضول
أكدت سعاد السويدي «نجاحها حتى الآن في زيارة خمس محميات طبيعية في كل من النيبال والهند وكينيا والولايات المتحدة الأميركية، مؤكدة أن هذه التجربة الفريدة، فتحت لها آفاقاً جديدة من المعرفة وشغف رفع النقاب عن أسرار المخلوقات البرية وردود أفعالها التي أشارت إلى أنها تحاكي في جزء كبير منها البشر، خصوصاً في شقها التفاعلي، فضلاً عن تمتع المخلوقات البرية، على عكس اعتقاد الكثير منا، بالمشاعر والأحاسيس المختلفة، ومنها مشاعر الحب والخيانة والغدر وصفات القوة والعجز التي عايشتها على أرض الواقع أثناء تجارب ترحالي، ما جعلني مؤمنة بأن أعظم عاطفة تميز هذه الحيوانات المفترسة وتجعلها تتشارك فيها بقوة مع البشر، هي عاطفة الأمومة العظيمة التي تدفع الأنثى إلى الدفاع عن أبنائها بكل قوة واستبسال، حال شعورها بقرب أي تهديد أو خطر من أولادها».
بعيداً عن الكاميرا
وحول بداية تعلقها بهواية تصوير الحياة البرية، أكدت سعاد أنها لم تخطط يوماً لهذا الشغف والفضول اللذين دفعاها نحو عوالم البراري البعيدة، وذلك، بعد أن قضت ما يقارب 20 عاماً مع أسرتها في أميركا، قبل أن يقرر أهلها العودة إلى الإمارات وتبقى هي لمتابعة دراستها الأكاديمية وتخصصها في مجال الهندسة، قائلة: نلت مرتبة الماجستير بدرجة الشرف ولدي العديد من شهادات الامتياز داخل الدولة وخارجها، لكنني انحزت نحو «دهشة» تصوير الحياة البرية منذ عام 2000، وذلك، بعد إحساسي بالوحدة جراء رحيل أسرتي إلى الإمارات فكانت «الكاميرا» بالنسبة لي، نعم الصديق والمؤنس الذي فتح لي أبواب استكشاف مخلوقات الله على الأرض. منوهة «بعد تعلقي بهذه الهواية، قضيت 17 عاماً في تطوير تجربتي لأنضم في عام 2019، إلى موسوعة المرأة الإماراتية، وأحرز لقب أول إماراتية وعربية توثق الحيوانات المفترسة والوحوش حول العالم».
سفيرة فوق العادة
وحول رؤيتها للمستقبل، تحدثت سعاد السويدي عن خطواتها الجريئة في خوض مجال تصوير الحياة البرية الصعب، مؤكدة طموحها أن تصبح سفيرة فوق العادة لوطنها الإمارات في مجال تصوير وتوثيق حياة الحيوانات المهددة بالانقراض حول العالم، موضحة «أحمل وطني في قلبي، وأسعى في كل خطوة أخطوها في مسيرة النجاح، إلى أن أعبر الحدود وأترك بصمة مغايرة أمثل بها بلدي، وأقدم من خلالها نموذجاً مشرفاً للمرأة الإماراتية المحافظة على عادات وتقاليد مجتمعها».
الدعم
لفتت سعاد السويدي، إلى قيمة الدعم الرسمي في الارتقاء بحدود تجربتها الرائدة في مجال تصوير الحياة البرية في الأدغال والمحميات، وتوسيع نطاق نجاحاتها في المستقبل، مؤكدة في هذا السياق أنها مازالت لغاية الآن تتكفل بشكل شخصي بحت، بكل متعلقات سفرها حول العالم ومصروفات رحلاتها وإقاماتها في مختلف الوجهات التي تقصدها، معتبرة ما تقوم به إنجازاً جديراً بالاحتفاء يضاف إلى سجلات التميز والريادة التي تسجلها.
أمي أولاً
أكدت سعاد السويدي أنها لم تكن لتحقق كل هذه النجاحات لولا وجود والدتها في حياتها ودعمها المستمر لها، قائلة «أمي هي بوصلة حياتي، ورفيقة مساراتي الأكاديمية والمهنية والمحفز الأول لي في جميع تجارب ترحالي بين الأدغال، ولعل هذا ما يجعلني باستمرار حريصة على أن أبقى على تواصل معها حتى من قلب الأدغال، لأنني مدركة أنني حتى حينما أترك العالم ورائي، هناك دوماً قلب واحد في مكان ما ينبض من أجلي وينتظر عودتي».
«أحمل وطني في قلبي وأسعى في كل خطوة أخطوها في مسيرة النجاح إلى أن أعبر الحدود وأترك بصمة مغايرة».
تتمتع الحيوانات المفترسة بمشاعر الحب والخيانة والغدر وصفات القوة والعجز التي عايشتها على أرض الواقع.