دبي، مدينة العجائب والتطور، ليست مجرد وجهة سياحية حديثة، بل هي أرضٌ عريقة الجذور، غنية بالتاريخ والحضارة. هذا ما أكدته مؤخرًا هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) بحصولها على جائزة تقديرية مرموقة من المجلس العربي للاتحاد العام للآثاريين العرب، تقديرًا لجهودها الاستثنائية في الحفاظ على التراث الثقافي في الإمارة. هذا التكريم يعكس التزام دبي الراسخ بصون هويتها الثقافية وتقديمها للعالم.
دبي للثقافة تحصد تقديرًا عربيًا لجهودها في الآثار
جاء تتويج دبي للثقافة خلال مشاركتها الفعالة في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الآثاريين العرب الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة. هذه الجائزة ليست مجرد شهادة تقدير، بل هي اعتراف بالعمل الدؤوب والمنهجي الذي تقوم به الهيئة في مجال الآثار والتراث الثقافي الحضاري. إنها ثمرة تعاون مثمر بين فرق العمل المتخصصة في الهيئة والخبراء والباحثين في هذا المجال.
مشاريع المسح والتنقيب: كشف أسرار الماضي
ركزت جهود دبي للثقافة على تنفيذ مشاريع مسح وتنقيب أثرية في مواقع متعددة في دبي، أبرزها ساروق الحديد، جميرا، الصفوح، القسَيْص، ومواقع حتا الأثرية. هذه المشاريع لم تقتصر على التنقيب عن القطع الأثرية فحسب، بل شملت أيضًا دراسة وتحليل هذه الاكتشافات لفهم أعمق لتاريخ المنطقة.
وقد أسفرت هذه المساعي عن اكتشاف أكثر من خمسة وعشرين ألف قطعة أثرية متنوعة، تعود إلى عصور مختلفة، مما يؤكد استمرارية الاستيطان البشري في دبي على مر العصور. بالإضافة إلى ذلك، قامت الهيئة بترميم المعالم والمباني الأثرية والمقتنيات المكتشفة، لضمان بقائها للأجيال القادمة.
دبي: ملتقى الحضارات عبر العصور
لم تكتفِ دبي للثقافة بالعمل الميداني، بل أولت اهتمامًا كبيرًا بالبحث العلمي والنشر. وقد ساهمت الهيئة بشكل فعال في إعداد ونشر دراسات وأبحاث ومقالات علمية متخصصة في مختلف مجالات الآثار، مما يثري المعرفة حول تاريخ المنطقة ويساهم في تطوير هذا المجال.
أوراق العمل المقدمة في المؤتمر: نافذة على الاكتشافات
خلال مشاركتها في مؤتمر الآثاريين العرب، قدمت دبي للثقافة ثلاث أوراق عمل مهمة. تناولت الورقة الأولى نتائج مشروع ترميم وصيانة القطع الأثرية المكتشفة في مواقع دبي المختلفة. أما الورقة الثانية فاستعرضت دلالات الأختام المصرية القديمة المكتشفة في موقع ساروق الحديد، والتي تشير إلى وجود تواصل حضاري بين دبي ومصر خلال الألف الأول قبل الميلاد.
الورقة الثالثة قدمت دراسة تاريخية وأثرية شاملة حول دبي خلال العصر الإسلامي المتأخر، مستندةً إلى الاكتشافات الحديثة في موقع سهيلة الأثري في حتا. هذه الأوراق العمل تعكس عمق البحث والتحليل الذي تقوم به الهيئة، وتؤكد على أهمية دبي كملتقى للحضارات.
رؤية مستقبلية للحفاظ على التراث الثقافي
أكد المهندس بدر محمد آل علي، مدير إدارة الآثار في دبي للثقافة، أن حصول الهيئة على هذه الجائزة التقديرية يعكس تميزها والتزامها بتبني حلول مبتكرة في مجال صون التراث. وأضاف أن هذا الإنجاز يمثل إضافة قيمة لسجل الهيئة الحافل، ويبرز قدراتها في حماية مواقع دبي الأثرية.
إن دبي تمتلك جذورًا حضارية عريقة تمتد لأكثر من مئة وعشرين ألف سنة، بدءًا من العصر الحجري القديم الأسفل وصولًا إلى العصور الإسلامية المتأخرة. هذا العمق التاريخي يجعل من الحفاظ على التراث الثقافي مسؤولية وطنية تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية.
دبي للثقافة: ريادة في مجال الآثار
تسعى دبي للثقافة إلى مواصلة جهودها في مجال الآثار والتراث، من خلال تطوير مشاريع جديدة، وتعزيز التعاون مع المؤسسات والخبراء المتخصصين، وتشجيع البحث العلمي. كما تهدف الهيئة إلى زيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي لدى المجتمع، من خلال تنظيم الفعاليات والمعارض والبرامج التعليمية.
إن هذا التكريم ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من العمل الجاد والمثمر، بهدف صون تاريخ دبي العريق وتقديمه للعالم بأفضل صورة. دبي للثقافة تواصل مسيرتها نحو الريادة في مجال الآثار، مؤكدةً أن التنمية الحديثة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الحضاري. ندعوكم لزيارة المواقع الأثرية في دبي والتعرف على تاريخها الغني، والمشاركة في جهود الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الفريد.
