من رحم المعاناة ومن الالتصاق بالقضايا الحياتية تتولد الإبداعات الكبيرة، وهذا ما نلمسه في أعمال الروائي والشاعر النيجيري الحائز جائزة البوكر الدولية، بن أوكري. إذ يمكن وصف كتابات أوكري بكونها مخلصة للواقع الذي يعيشه، سواء السياسي أو الاجتماعي أو حتى البيئي، وهذا ما دفعه إلى تقديم تجربة روائية حول البيئة وتغير المناخ، من خلال كتابه الأخير «تايجر ورك» الذي وقّعه أخيراً في «نادي تواصل عقول الكتاب» في مدينة إكسبو دبي.
بن أوكري تحدث لـ«الإمارات اليوم» عن كتابه الأخير «تايجر ورك» وما دفعه للاهتمام بالشأن البيئي. وقال: «يشتمل هذا الكتاب على مقالات وأشعار ورسائل ومقابلات، جمعتها لعرض مفهوم التغير المناخي، فهي تبدو كما لو أنها عقد يقدم هذا المفهوم، لأن المشكلة الأساسية تكمن في فهم الناس لهذه القضايا، وهناك تأثير للمغالطات، إذ يتم النظر إلى تأثيرات الأفعال في المدى الزمني البسيط، دون أن يُنظر إلى الحكايات على المدى البعيد». وتحدث أوكري عن مفهوم الاستدامة، مشيداً بتجربة دبي التي حرصت على تقديم خطوات فعلية في رفع الوعي بهذا المنحى، معتبراً أن مفهوم الاستدامة يجب أن يكون على رأس أجندات الدول كافة. ونوّه بأنه لا بد من أن يتحول الموضوع إلى أسلوب حياة وفلسفة، وكذلك يجب أن يدعم القانون هذا التوجه من خلال فرض عقوبات على الأفعال التي تترك آثاراً سلبية على البيئة. وشدد على أن القوانين ترسخ الأنظمة، فالناس تعلموا الالتزام بقوانين السير بسبب المخالفات، وهذا ما يجب تطبيقه في حماية البيئة، لأنها الطريقة الوحيدة للتغيير.
ورأى أوكري أن الأدب هو الأكثر قدرة وقوة على نشر هذه الرسائل التوعوية، مشيراً إلى أن التقارير العلمية والإخبارية حين تعرض الأرقام قد ينساها الناس بعد الانتهاء من قراءتها، ولكن عندما يتم عرض القضايا ضمن قصص تُبرز للناس كيف يمكن للتغيير أن يترك أثراً إيجابياً، فإن الأمر يكون له كثير من الأثر الإيجابي في التغيير الحقيقي، فالأدب يترك للناس القدرة على الفهم بشكل كافٍ.
أما كتابه الذي قدّمه قبل «تايجر ورك» وتوجّه من خلاله للأطفال، فلفت إلى أنه قدمه بسبب الخسارة الكبيرة للغابات في نيجيريا، فبالعودة إلى السنوات الـ50 الأخيرة، فإن 95 من الغابات تعرضت للقطع، وذلك للعديد من الأسباب، منها بشكل أساسي استغلال الأخشاب في الصناعة والدورة المالية. وفي الواقع فإن هذا الجانب هو الجانب البارز من القصة، ولكن الحقيقة الواقعية أكثر تعقيداً. وتابع أوكري بالقول: «نشأت في نيجيريا في منطقة كانت محاطة بالغابات، وكبرت وأنا أقرأ القصص في الغابات، كما أن للأشجار دوراً في علاج الملاريا، حيث يتم الاعتماد على جذور الأشجار ووضعها في الماء ليوم كامل، وبعدها تقتل المرض، فالغابات تمنح الأعشاب التي تسهم في علاج كثير من الأمراض، فالغابات هي الأم العظيمة، ومع قطع الأشجار والقضاء على الغابات، بدأنا نتقلص».
واعتبر أن أهمية الكتاب تكمن في أنه يخاطب كل الأعمار، موضحاً أن كل شخص يمكنه أن يقرأ الكتاب ويحصل من خلاله على رسائل واضحة حول ضرورة حماية البيئة والطبيعة. وفي ما يتعلق بمعنى الطبيعة من الناحية العاطفية، أكد أوكري أنها تجسد الأم بالنسبة له، موضحاً أنها لا تعد ملهمته فقط، بل هي البيت الآمن للبشر، والتنوع الطبيعي بدءاً من تنوع النباتات وصولاً إلى الحشرات التي تعيش في الغابات ضروري كله، وتدميره يعني تدمير الحياة وخسارة البشر للإنسانية، وتحوّلهم إلى وحوش كاسرة.
وتأثرت تجربة الكاتب النيجيري بالحرب الأهلية التي عايشها في بلده منذ الطفولة، وقد عكس هذا الجانب في كتاباته أيضاً، ولفت إلى أنه كان من الممكن أن يكون إنساناً مختلفاً لو لم يعش الحرب، مبيناً إلى أي مدى يمكن أن يكون الإنسان بسيطاً أو ساذجاً في بعض الأحيان. فقبل بداية الحرب في نيجيريا كان الناس يتعايشون بحب، ولكن فجأة بدأت الأحداث السياسية تتصاعد، وخلّفت وراءها أسئلة بدون أجوبة حول ماهية الحرب وأسبابها الحقيقية. وأضاف أوكري في حديثه عن الحرب: «كانت معايشة الحرب تجربتي الأولى لمعرفة إلى أي حد يمكن أن تصل الإنسانية إلى مستوى الغباء، ولكن عندما نضجت أدركت فعلاً إلى أي حد يمكن أن تكون الإنسانية رائعة أيضاً، فهي مقاربة ترسخت لديّ بفعل الحرب».
أما مشهد الأدب النيجيري فوصفه أوكري بكونه يتمتع بالغنى في هذه اللحظة، كما أنه يعد من أقوى المحتويات الأدبية في إفريقيا في الفترة الراهنة، وربما في العالم، ويعود ذلك إلى التنوع في اللغات، لأنه يعني التنوع في الفلسفة والميثولوجيا والقصص، وكذلك في طرق النظر للعالم والقضايا الكبرى والقصص الإنسانية، وهذا يولّد التنوع الكبير، والرواية في العموم تعشق التنوع.
البوكر بعد 20 عاماً
حاز الشاعر والروائي النيجيري جائزة البوكر الدولية عام 1991، وكان أول كاتب إفريقي يحصد هذه الجائزة. وأكد خلال حديثه أنه على الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على حصده الجائزة، فإنه ما زال إلى اليوم يحصد نتائج حصوله عليها التي تكمن في العلاقات وبناء صداقة حقيقية مع القراء. فبعض الناس يقرأون كتبه إلى اليوم لأنه حصد الجائزة، فالجائزة تثير فضول الناس للتعرف على الكاتب، فهي عبارة عن هدية تستمر وتتواصل إلى اليوم.
• «الاستدامة يجب أن تكون على رأس أجندات الدول».
• «النباتات والحشرات ضرورية كلها، وتدميرها يعني تدمير الحياة وخسارة البشر لإنسانيتهم وتحولهم إلى وحوش كاسرة».