من أجل استدامة صناعة النشر التي تعتبر منذ اختراع الطباعة بمعناها الحديث ولاتزال، الشريان الحيويّ للصناعات الثقافية، لابدّ لها من أن تتّسم بالمرونة الكافية؛ لمواكبة أكثر متطلّبات عصرنا الراهن إلحاحاً، والتي تتمثّل في التطور التكنولوجي المتسارع، وتحقيق الاستدامة البيئية لكوكبنا.
وعلى الرغم من تغيُّر ملامح السوق العالمية بشكل ملموس جرّاء تداعيات جائحة كوفيد-19، إلا أن صناعة النشر أظهرت مرونة في مواجهة تلك التداعيات، إذ تشير التوقٌّعات إلى استمرار نمو سوق النشر العالمي الذي وصل حجمه في عام 2020 إلى نحو 288 مليار دولار أميركي؛ ليبلغ قرابة 316.8 مليار دولار أميركي بحلول عام 2027، وفق تقرير لشركة الأبحاث «ريبورت لينكر» صدر في أواخر عام 2022.
تجاوز الصعوبات
حققت صناعة النشر في دولة الإمارات، رغم حداثتها مقارنةً بغيرها من الدول، تطوراً كبيراً على مدار العقد الماضي، ويُتوَقَّع لها مستقبل يَعِدُ بفرص وافرة لدور النشر المحليّة، وذلك نظراً لتوافر مجموعة أسباب داعمة يتصدّرها الاهتمام البالغ الذي توليه الدولة لهذا القطاع، وجاهزية المنظومة التقنية فيها لتلبية احتياجات العصر، فضلاً عن الجهود الحثيثة للقائمين على قطاع النشر، مثل جمعية الناشرين الإماراتيين، في معالجة العديد من المخاوف والتحدِّيات التي تواجهه عبر العديد من المبادرات الرياديّة الهادفة إلى تنظيمه وتعزيز استدامته وازدهاره.
وخير دليل على ذلك، نجاح قطاع النشر الإماراتي في تجاوز تَبِعَات جائحة كوفيد-19، بفضل البنى التحتية التكنولوجية المتطورة في الدولة.
توظيف التكنولوجيا
تعمل جمعية الناشرين الإماراتيين على تعزيز صناعة النشر في دولة الإمارات من خلال مجموعة متكاملة من الخدمات، آخذة بعين الاعتبار البصمة البيئية للقطاع. كما تدرك الجمعية أن هذه الصناعة، كغيرها من الصناعات، تتأثّر بشكل متزايد بالتطور التكنولوجي وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولابدّ من استثمار هذه التقنيات، من أجل استدامة القطاع.
ترى الجمعية أن صناعة النشر في الإمارات مؤهّلة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفر بيانات ضخمة تدعم عمليّة النشر برمَّتها، ورغم المخاوف التي أثيرت بشأن الأثر السلبي المحتمل للذكاء الاصطناعي على المحتوى وأصالته، فإن الجمعية تؤمن بأنه ليس هنا ما يدعو للقلق في هذا الإطار لطالما بقي العنصر البشري جوهر الأدب والفكر والإبداع.
ممارسات مستدامة
وعلاوةً على أن تبنّي التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة لاستدامة القطاع ومرونته وتلبية تطلُّعات جمهور القرّاء، فمن شأنه أيضاً أن يدعم أهداف الحفاظ على البيئة ومكافحة تغيّر المناخ. وفي هذا الإطار، تلعب جمعية الناشرين الإماراتيين دوراً مهماً في تعزيز وعي الناشرين المحليين في ما يتعلق بالممارسات المستدامة على مستوى قطاع النشر؛ مثل استخدام المواد المُستدامة للطباعة، والتركيز على النشر الرقمي، واعتماد آلية طباعة الكتب عند الطلب، واتباع ممارسات مكتبية مستدامة.. وغيرها.