كثيرة هي العادات والتقاليد المرتبطة بالأعياد، التي تحتفظ بها الذاكرة الشعبية المصرية، وظلت حية باقية يتوارثها الناس من جيل إلى جيل.
وقالت المدير العام لأطلس المأثورات الشعبية بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، الدكتورة الشيماء الصعيدي، إن المخطوطات والمصادر العربية، ويوميات وكتب الرحالة والمؤرخين، وثّقت تفاصيل دقيقة لمظاهر الأعياد، وكيفية استقبال المصريين لها، وكيف احتفلوا بها.
وأشارت إلى أن زخم الاحتفال بالأعياد في مصر، جذب أعين الرسامين الأجانب الذين سحرهم الشرق، وكانت مصدر إلهام لكثير منهم، إذ سجلت لوحاتهم جوانب كثيرة من مظاهر الأعياد في مصر قبل قرون مضت.
ومن أبرز تلك العادات والتقاليد التي ارتبطت باحتفال المصريين بالأعياد، كحك العيد، الذي يرى الآثاريون وعلماء المصريات، أن تاريخ ظهوره يعود لعصور الحضارة المصرية القديمة، وكان يُخبز لتقديمه فيما يُعرف لدى المصريين القدماء بـ«أعياد الموتى»، وهو مظهر باقٍ حتى اليوم، إذ تُشاهد الأسر المصرية وهي تحمل كحك العيد عند زيارتها قبور الموتى في صبيحة يومي عيد الأضحى وعيد الفطر.
ويأتي عصر الدولة الفاطمية في مقدمة العصور التي شهدت اهتماماً رسمياً واسعاً بالأعياد، وكانت صلاة العيد يتقدمها الخلفاء والحكام وكبار رجال الدولة والقضاة والعلماء.
وحسب الدكتورة الشيماء الصعيدي، اهتم الفاطميون بكحك العيد، وسبقهم في ذلك حكام الدولة الإخشيدية، لكن الفاطميين توسعوا في الاهتمام بكحك العيد، ووصل الأمر إلى تخصيص إدارة حكومية كان دورها العناية بكحك العيد، وتجهيز كميات كبيرة منه لتوزيعها على الناس.
وهكذا تواصل اهتمام المصريين بكحك العيد منذ أجدادهم الفراعنة، مروراً بعصر الإخشيديين ثم الفاطميين، وحتى اليوم.
وأشارت الدكتورة الشيماء إلى أن هناك عادة أخرى توارثها المصريون في الأعياد، هي «العيدية»، وهو مصطلح أُطْلِق على ما كانت تقوم بتوزيعه الدولة من نقود عند حلول عيدي الفطر والأضحى.
وربما يعود ظهور العيدية لعصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وكانت بمثابة حق مكتسب للعاملين في دواوين الحكومة، ثم تطورت بمرور الأيام، وصارت عادة يعرفها كل بيت مصري، وينتظرها الصغار من الكبار، بل كل أفراد العائلة، ولا يقتصر إعطاؤها على الأب أو الأخ، بل يمنحها الأقارب والجيران لكل الصغار.
ومن المظاهر المتوارثة خلال الاحتفال بالأعياد في مصر «كسوة العيد»، وهي من أهم مظاهر الاحتفال بالأعياد، إذ يشتري الجميع الكسوة الجديدة قبل حلول يوم العيد، ويقال إن الفاطميين كانوا يوزعون كسوة العيد و«العيدية» معاً.
لكن الجانب التراثي، كما توضح الدكتورة الشيماء، في موضوع كسوة العيد، يعود لزمن بعيد ويرجعها البعض إلى دولة الخلافة الإسلامية، وتحديداً في فترة حكم الأمويين والعباسيين، لكنها اكتسبت أهمية كبيرة في العصر الفاطمي.
وكان هناك ما يُسمّى بـ«دارة الكسوة»، وهي التي كانت تتولى توزيع كسوة العيد على موظفي الدواوين وجموع العاملين بالدولة، لكن ومع سقوط الدولة الفاطمية، تراجع توزيع كسوة العيد، وباتت قاصرة على ظاهرة إهداء «الخلع»، والتي تعني الكسوة الجديدة، على الأمراء وكبار الموظفين عند توليهم مناصب جديدة، بعد أن كانت الدولة تخصص ميزانيات ضخمة للإنفاق على كسوة العيد وتوزيعها بالمجان.
في أبهى صورة
أشارت المدير العام لأطلس المأثورات الشعبية بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، الدكتورة الشيماء الصعيدي، إلى حرص الحكام في العصر الفاطمي بمصر، على أن تكون كسوة العيد في أبهى صورة، من حيث اختيار نوع النسيج والزخرفة والألوان، مؤكدة أن كسوة العيد كانت تتنوع بحسب الشريحة الاجتماعية التي ينتمي لها كل شخص، وكانوا يحرصون على أن تكون تلك الكسوة تراعي القيم الدينية والاجتماعية والاحتشام بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء.
الشيماء الصعيدي:
«الجانب التراثي في كسوة العيد، يعود لزمن بعيد، ويرجعها البعض إلى فترة حكم الأمويين والعباسيين».