رحلة الحج ليست كغيرها من الرحلات، فهي الرحلة التي تشتاق لها القلوب وتهفو إليها من مشارق الأرض ومغاربها، ولذلك حرص المسلمون عبر العصور على القيام بها رغم ما كانت تتضمنه من مشقة ومخاطر قديماً، في ظل اعتمادهم على وسائل نقل بدائية، وفقدان الأمن في بعض الطرق والمناطق، وكانت هذه الرحلة تستغرق أشهراً من الترحال والعناء والتعب.
وفي الإمارات كانت لموسم الحج مكانة خاصة في قلوب الآباء والأجداد، فالاستعدادات للرحلة كانت تبدأ مبكراً جداً، وتتم غالباً براً، وتستغرق ما بين شهرين ونصف الشهر وثلاثة أشهر، وكانت الإبل وسيلة السفر التي يعتمد عليها الحجيج، وكانوا يخرجون في مجموعات تضم رجالاً ونساء على الإبل ومعهم طعامهم وشرابهم واحتياجاتهم، كما كان البعض يقوم بها بحراً عن طريق السفن التي تخرج من جزيرة دلما أو من دبي.
شهادات
كانت رحلة الحج من الموضوعات التي حرص الباحثون في الدولة على تسجيلها وتوثيقها عبر شهادات الرواة وكبار المواطنين حتى تظل محفوظة في ذاكرة المجتمع والتاريخ، ومن هؤلاء الراوية فاطمة علي سلطان الهاملي التي ولدت في ليوا، وتحدثت عن الحج قديماً في كتاب «ذاكرتهم تاريخنا»، الصادر عن الأرشيف والمكتبة الوطنية، قائلة: «كان عندنا حاج كبير في السن، رحمة الله عليه، أقسم أنه مضى خمسة أشهر حين خرج للحج من ليوا في منطقة الظفرة إلى المملكة العربية السعودية على الإبل. وعندما كنا في الكبرة في برقا حبشان كانوا يأتوننا سيّاراً (أي أشخاص يسيرون على الأقدام) من دبي، ونقول لهم: أين ستذهبون؟، يقولون: (إلى بيت الله، إلى مكة). وكنا نراهم يمشون ومعهم مطاراتهم (المطارة قربة لحفظ الماء) وأمتعتهم، وكانوا يذهبون من منطقة طريف إلى مدينة غياثي، ثم إلى مدينة السلع في المنطقة الغريبة. وفي الماضي لم تكن هناك جوازات سفر، وكان الناس يحجون على الإبل وبدون جوازات سفر».
ذهاباً وإياباً
بينما استرجع الحاج سعيد أحمد ناصر بن لوتاه، معلومات عن رحلته للحج في الجزء الأول من كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» قائلاً: «ذهبت إلى مكة لأداء فريضة الحج أول مرة عندما كنت في السادسة عشرة من عمري تقريباً، وأذكر أنها كانت في فترة حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وكان الذهاب على ظهور الركاب، خرجنا إلى الأحساء، ومنها توجهنا إلى الرياض، ثم إلى مكة المكرمة، وإلى المدينة المنورة، وسلكنا الطريق في العودة إلى شقرى ومنها إلى الرياض، ومن الرياض أعطتنا الحكومة سيارتي نقل كبيرة، فوصلنا الأحساء، ومن الأحساء ركبنا الحمير حتى العجير، ومن العجير ركبنا الزورق البخاري (لنج) حتى البحرين، ومن البحرين ركبنا في (لنج) آخر حتى بلغنا بلدنا، وقد استغرقت الرحلة ذهاباً وإياباً ثلاثة أشهر».
لم تكن سهلة
من جانبه يذكر الباحث الإماراتي عبدالله عبدالرحمن، الذي وثّق جانباً من ذكريات الحج وتجارب حجاج إماراتيين، أن قيادة قوافل الحج في الصحراء لم تكن سهلة، فقد كانت تتم بالاستعانة بخبراء في الطريق يعرفون الدروب وأماكن آبار المياه الصالحة للشرب جيداً، وأماكن توافر الكلأ التي ترعى فيها الإبل وتحصل على قسط من الراحة قبل استكمال المسير. وكانت الرحلات تبدأ مع انتهاء عيد الفطر وبداية شهر شوال.
بينما أشار المواطن محمد بن مايد بن ثاني، في مقابلة وثقتها الباحثة شيخة الغاوي، إلى أن رحلة الحج في الماضي كانت رحلة شاقة تمتد بين صحاري الإمارات والسعودية، وقبل قرن أو أكثر كان طريق الحج البري محفوفاً بالمخاطر. وقال: «الناس كانوا يستعدون لموسم الحج قبل عيد الفطر المبارك، وأحياناً أكثر من ذلك، فكان الذي ينوي الحج يبدأ في البحث عن الرفقة الصالحة الطيبة التي تساعده على الخير، وتسعى إليه ثم يقوم بتجهيز راحلته من الجمال، وعادة يجهز الحجاج قافلة كبيرة من الإبل، جزء منها لركوب النساء والرجال، وجمل يحمل الحطب، فيما تخصص أربعة جمال لحمل الطعام والزاد من مختلف أنواع المؤن والمواد الغذائية، مثل الأرز و«المالح»، أي السمك المملح، و«العوال» وهو السمك المجفف والسكر والسمن والعسل، فيما يحملون الماء في «السعن»، وهو وعاء من الجلد يوضع فيه الماء، إضافة إلى الأسلحة النارية الخفيفة مثل البنادق التي يحملها الحجيج معهم اتقاء خطر وأهوال الطريق وللصيد، ويحملون التمر كغذاء للإبل أثناء الرحلة، ويغطونها بالخيش لحمايتها من برودة الطقس، ويجمعون لها أثناء الرحلة أوراق شجر السمر ويقومون بطحنها وعجنها ليطعموا بها الإبل، لكي تقوى على المسير في هذه الرحلة الطويلة».
زمن الأربعينات
تكلفة ونفقات رحلة الحج قديماً في الإمارات، كانت تحديداً في فترة الأربعينات من القرن الماضي تقترب من 300 روبية، وهي تكلفة ليست قليلة ولم تكن متاحة لكثيرين من سكان المنطقة في ذلك الوقت.
الاستعدادات كانت تبدأ مبكراً جداً لتنطلق المسيرة إلى البيت الحرام مع انتهاء عيد الفطر.
• كان الذي ينوي الحج يبدأ في البحث عن الرفقة الصالحة الطيبة، ثم يجهّز راحلته من الجمال.