للتراث العالمي قيمة كبيرة تتجلى في الموروث الثقافي والتاريخي، الذي يشكل ذاكرة الأوطان وهوية المجتمعات، فهذه الكنوز الثمينة كانت نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصل إنساني أثمر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وشكَّل جسراً للتقارب والتواصل بين مختلف الشعوب والثقافات، وموروثاً حضارياً غنياً انطلقت منه الدول في بناء نهضتها الحديثة.
قيمة مشتركة
تكمن أهمية التراث في قيمته الإنسانية المشتركة، وفي كونه إرثاً لا يُعوَّض في حال اندثاره، وهو ما أدركته دولة الإمارات باكراً، فبذلت كل الجهود في سبيل صون وحفظ معالم التراث العالمي وحمايتها من الاندثار، وأسست منظومة عمل مؤسسية ذات خطط وأهداف واضحة، عملت على تحقيق العديد من الإنجازات في هذا المجال، إيماناً منها بأن التراث الإنساني هو تراث عام لكل البشرية، والحفاظ عليه مسؤولية مشتركة بين جميع دول العالم، حتى وصلت بالتراث إلى العالمية، من خلال قيادتها لملفات ترشيح عناصر التراث الثقافي غير المادي، التي أثمرت عن تسجيل العديد من عناصره على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».
مكانة رفيعة
ولطالما حظِيَ التراث في الإمارات بمكانة رفيعة المستوى، كمحور أساسي في عملية التنمية المستدامة، كما أن تجربتها في صونه والحفاظ عليه لفتت أنظار العالم، وحظيت باهتمام واسع، فهي الأولى عربياً والسابعة عالمياً في عدد عناصر التراث غير المادي المسجلة بـ«اليونسكو»، حيث سجلت 14 عنصراً خاصاً ومشتركاً، عبّر بعضها عن هويتها الثقافية الخاصة، وتشاركت في عناصر أخرى مع محيطها الخليجي والعربي. وتسجيل هذه العناصر المحلية التي تضم «السدو والتلي والعازي والرزفة والعيالة والتغرودة والأفلاج، إضافة إلى النخلة والقهوة العربية والمجلس، والخط العربي، وسباقات الهجن والصقارة والحداء»، يُعدّ خطوة فاعلة تسهم في تعريف المجتمع العالمي بتراث دولتنا العريق، وتعزز هويتها الخاصة وبصمتها المميزة في وجدان العالم، وتؤكد إرادة وعزيمة مجتمع متميز، أصله ثابت وفرعه في السماء.
التعريف بالموروث
وفي مجال صون التراث المحلي، بذلت الإمارات جهوداً كبيرة في تعريف العالم بموروثها الثقافي، المتمثل في العادات والتقاليد والحِكم والأمثال الشعبية والفنون والمنتجات والحِرف التراثية وغيرها، من خلال الفعاليات الثقافية والمجتمعية المتنوّعة، كما سخّرت الإمكانات لجمع وتوثيق التراث الشفهي والثقافة الشعبية في الدولة، لاسيما أننا تعرّفنا إلى نسبة كبيرة من تاريخ دولتنا قبل قيام الاتحاد من الآباء والأجداد والرواة المعمرين وكبار السن، الذين سردوا قصصاً وروايات تاريخية وتراثية تتناول تفاصيل الحياة في الإمارات في فترة مبكرة من عمر الدولة، وكانت دبي سبّاقة في توثيق وأرشفة التراث بطرق مبتكرة أبرزت سعيها في مجال صون التراث، وهو ما تجسّد في مشروع «وجوه حتا»، الذي أطلقته هيئة الثقافة والفنون في دبي، بهدف تسجيل التاريخ الشفهي لمنطقة حتّا وتراثها الثقافي، وصونه ونقله عبر الأجيال عن طريق روايات تختزنها ذاكرة شهود العصر من أهالي هذه المنطقة.
جهود دبي
كما برزت ريادة دبي وتنوّع محتواها الثقافي وثرائه، من خلال مشروع «ثقافة دبي وتراثها» على منصّة «غوغل للثقافة والفنون»، الذي حقق نجاحاً كبيراً، وعكس هوية دبي الفريدة وفضاءها الإبداعي في الماضي والحاضر، ليكون أول نافذة ثقافية يطل الجمهور العالمي من خلالها على المشهد الإبداعي المزدهر في دبي، ويتعرف إلى جوهر الهوية الثقافية الأصيلة للمدينة.
جهود دبي في مجال صون التراث مستمرة ومتواصلة، وهو ما تمثّل، أخيراً، في افتتاح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لمتحف الشندغة، أكبر متحف تراثي في الإمارات، والذي يسرد قصة عالمية للإنجاز البشري، ويروي تاريخ الإمارة وتراثها العريق. وهذا المتحف الذي يحمل عبق الماضي، يضم مساحات للاستثمار تقدم فرصاً متعددة لمرافق خدمية، ومشروعات متنوّعة مرتبطة بالتراث والثقافة، وتتضمن أجنحته وبيوته وقاعاته نوافذ تأخذنا للمستقبل إن استثمرنا كنوزه بشكل مبتكر يواكب الفكر الخلاق والرؤية الاستشرافية لقيادة دولتنا الرشيدة.
احتفاؤنا بالتراث ينبثق من إدراكنا لقيمته كمكوّن أساسي من مكونات حضارتنا، ودوره في تفعيل اقتصادنا الإبداعي القائم على استثمار الثقافة وعناصرها في مجال الصناعات الإبداعية، بهدف تعزيز التنمية المستدامة للمجتمعات والاقتصادات الحديثة، لاسيما أن الاقتصاد الإبداعي يفتح الآفاق لأنماط مبتكرة قادرة على توظيف المواهب والإبداع والمعرفة، بهدف خلق فرص استثمارية إبداعية ومشروعات جديدة، لطاقات شبابية واعدة تعتز بهويتها وقيمها، وهو ما يسهم في تنويع مصادر الدخل، ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بعد أن أثبت الاقتصاد الإبداعي القائم على المعرفة والابتكار أهميته ودوره في التغلب على الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تواجهها الدول والحكومات.
تراثنا أساس نهضتنا وحضارتنا، ومسيرتنا في صونه مستمرة، وأدعو الأجيال الجديدة إلى إكمال المسيرة التي بدأتها الدولة، ودعم جهودها في هذا المجال، وأن يكونوا جزءاً فاعلاً في الحفاظ عليه، من خلال إدراك أهمية دورهم في تدوين وحفظ التراث الشفهي، وتوسيع آفاقهم لاستثمار أي فرص جديدة واعدة تكمن بين طيات تراثنا الغني، واستلهام عناصره المختلفة في حياتهم اليومية وفي مختلف مجالات الإبداع.
رئيس هيثة الثقافة والفنون في دبي:
■ «الإمارات بذلت كل الجهود في سبيل صون وحفظ معالم التراث العالمي وحمايتها من الاندثار».
■ «حظِيَ التراث في الإمارات بمكانة رفيعة المستوى، كمحور أساسي في عملية التنمية المستدامة».
■ «بذلت الإمارات جهوداً كبيرة في تعريف العالم بموروثها الثقافي المتنوّع».
■ «برزت ريادة دبي وتنوّع محتواها الثقافي وثرائه، من خلال مشروع (ثقافة دبي وتراثها) على منصّة (غوغل للثقافة والفنون)».