في اكتشاف أثري يتردد صداه عبر الزمن، أعلن فريق تنقيب فرنسي عن العثور على كنز دفين داخل مدينة تانيس الأثرية في دلتا النيل: 225 تمثالاً جنائزياً مذهلاً. هذا الاكتشاف الفريد يلقي الضوء على طقوس الدفن الملكية في مصر القديمة، والأهم من ذلك، يحل لغزاً أثرياً دام لعقود حول هوية صاحب إحدى المقابر الملكية في تانيس. هذا المقال يستكشف تفاصيل هذا الاكتشاف الهام، وأهميته في فهم تاريخ مقبرة تانيس والأسرة الحادية والعشرين.
اكتشاف تمثاليات الأوشابتي في تانيس: لمحة تاريخية وأهمية
يعتبر هذا الاكتشاف، الذي تم في التاسع من أكتوبر الماضي، من أبرز الأحداث التي تشهدها الحفريات الأثرية في مصر مؤخراً. تانيس، التي كانت عاصمة لمصر خلال الأسرة الحادية والعشرين (حوالي 1069-945 قبل الميلاد)، تشتهر بمقابرها الملكية الغنية. لكن، لسنوات عديدة ظل علماء الآثار يتساءلون عن هوية الفرعون المدفون في إحدى المقابر الكبيرة بالمدينة، على الرغم من وجود نقوش باسم شوشنق الثالث.
تفاصيل الاكتشاف المذهلة
لم يكن الاكتشاف داخل قبر كبير وفخم، بل في مقبرة أصغر حجماً وأكثر تواضعاً. وصف عالم الآثار الفرنسي فريدريك بايرودو، رئيس بعثة التنقيب، القبر بأنه ضيق ويحتوي على تابوت غرانيتي ضخم، لكنه غير منقوش. ما أدهش الفريق هو الطريقة التي رتبت بها التماثيل – والمعروفة باسم الأوشابتي – داخل القبر. فقد وُضعت التماثيل بعناية فائقة على شكل نجمة حول حفرة شبه منحرفة، وفي صفوف أفقية على قاعها. توضح هذه الترتيبات الدقيقة والمتقنة مدى الأهمية التي كان يُوليها المصريون القدماء لطقوس الدفن، وخاصة تلك المتعلقة بالملوك.
الأوشابتي: خدمة الفرعون في العالم الآخر
الأوشابتي هي تمثاليات صغيرة كانت توضع في المقابر مع المتوفى، وخاصةً الملوك والأثرياء، لتكون بمثابة خدام لهم في الحياة الأخرى. كان يُعتقد أن هذه التماثيل ستستجيب لأي نداء للعمل في العالم السفلي، وبالتالي تسمح للمتوفى بالاستمتاع بالخلود دون الحاجة إلى العمل الشاق. عادة ما تحمل هذه التماثيل نقوشاً من النصوص الدينية، و أيضاً اسم المتوفى ولقبه، ويُعتقد أنها تجسد الروح في شكل خادم.
الرمزية الملكية وحل اللغز
وجود الرموز الملكية المنقوشة على هذه التماثيل لم يكن مجرد تفصيل زخرفي. بل قاد الفريق الأثري إلى تحديد هوية صاحب المقبرة بشكل قاطع. أكد التحليل أن التماثيل تخص الفرعون شوشنق الثالث، الذي حكم مصر بين عامي 830 و 791 قبل الميلاد.
وهذا الاكتشاف يحل لغزاً ظل قائماً طويلاً: لطالما ارتبطت مقبرة أكبر في تانيس باسم شوشنق الثالث، لكنها كانت خالية من أي آثار تدل على رفاته. يبدو أن هذه المقبرة الأكبر كانت مجرد نصب تذكاري أو مكان للطقوس، بينما كانت المقبرة الأصغر والأكثر تواضعاً هي المكان الذي دُفن فيه الفرعون بالفعل. وهذا يوضح لنا أيضًا الطريقة المعقدة والمثيرة للاهتمام التي تعامل بها المصريون القدماء مع مفاهيم الموت والخلود. إن الاكتشاف في مدينة تانيس الأثرية يقدم رؤى جديدة حول الممارسات الجنائزية لهذه الفترة.
الأهمية الأثرية للموقع والخطوات التالية
إن أهمية اكتشاف مقبرة تانيس لا تقتصر فقط على تحديد هوية الفرعون شوشنق الثالث. بل يساهم أيضاً في فهم أعمق للأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية في مصر خلال الأسرة الحادية والعشرين. تأتي هذه الفترة بعد فترة طويلة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، ويعتقد أن الأسرة الحادية والعشرين قد لعبت دوراً هاماً في إعادة بناء المملكة وتوحيدها.
أعمال التنقيب والمستقبل
تستمر أعمال التنقيب في تانيس بقيادة الفريق الفرنسي، بهدف استكشاف المزيد من الأسرار التي تخفيها هذه المدينة العريقة. من المتوقع أن تساهم الاكتشافات المستقبلية في الكشف عن تفاصيل إضافية حول حياة الملك شوشنق الثالث، وحول طبيعة الدفن الملكي في مصر القديمة. الآثار المصرية تشكل كنزاً لا يقدر بثمن، وكل اكتشاف جديد يضيف طبقة جديدة من المعرفة لفهم حضارة عظيمة.
في الختام، يمثل اكتشاف 225 تمثالاً جنائزياً في مقبرة شوشنق الثالث في تانيس علامة فارقة في علم المصريات. هذا الاكتشاف لا يحل لغزاً أثرياً مهماً فحسب، بل يقدم أيضاً رؤى قيمة حول طقوس الدفن والمعتقدات الدينية في مصر القديمة. ندعو الجميع إلى متابعة أعمال التنقيب في تانيس، والتعرف على المزيد عن هذا الكنز الأثري الذي يضيء على تاريخنا المشترك. يمكنكم البحث عن المزيد من المعلومات حول تاريخ مصر القديم والأسرة الحادية والعشرين للتعمق في هذا الموضوع المثير.
