عادة ما تثير كلمة «العنف» في الذهن، صوراً لأمور مثل الضرب والكدمات ونزف الدماء. ولكن عندما يتعلق الأمر بتربية الأطفال، يمكن أن يلجأ الوالدان للعنف مع أبنائهم من دون أن يكون هذا العنف جسدياً. ويعد هذا هو «العنف النفسي»، الذي يسمى أيضاً بـ«سوء المعاملة النفسية أو العاطفية».
ويشتمل هذا النوع من العنف على تهديدات باللجوء للإيذاء البدني، مثل: «إذا لم تذهب إلى الفراش فوراً، فسوف أضربك ضرباً مبرحاً لن تنساه!»، أو قول أشياء مهينة مثل: «لن تصل إلى أي شيء أبداً!».
وعلى الرغم من ذلك، فإن سوء المعاملة العاطفية بالنسبة للأطفال لا تكون لفظية فقط، إذ يندرج ضمن هذه الفئة أيضاً، تجاهل الطفل أو التزام الصمت معه، ومعاقبة الطفل عن طريق حبسه داخل المنزل، أو تعريض الطفل لضغط شديد لكي يجتهد في المدرسة.
من جانبها، تقول الدكتورة كلاوديا بوس، وهي أستاذة في معهد طب علم النفس التابع لمستشفى جامعة شاريتيه في برلين: «لا يتضرر الأطفال عندما يتعرضون للضرب فقط، فمن الممكن أن يكون للإهمال وسوء المعاملة العاطفية، آثار سلبية أيضاً»، مضيفة أن واحداً من بين كل ثلاثة أطفال يقع ضحية لسوء المعاملة والإهمال، أو كليهما.
ومن الممكن أن يؤدي التعرض لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة، إلى عواقب صحية خطيرة تستمر طول الحياة، وقد يصل الأمر إلى انتقالها إلى الجيل التالي.
وتوصلت دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة «ذا لانسيت بابليك هيلث»، إلى أن أبناء الأمهات اللاتي تعرضن لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة (سواء جسدياً أو عاطفياً أو جنسياً)، أو للإهمال، كانوا أكثر عرضة للتعرض لمشاكل متعلقة بالصحة العقلية والجسدية أو كليهما.
بينما توصلت دراسة أميركية – ألمانية شملت نحو 4000 من الأمهات وأطفالهن في الولايات المتحدة، إلى أنه على المدى الطويل، كان أبناء الأمهات اللاتي أبلغن عن تعرضهن لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة، أكثر عرضة للإصابة بالربو، واضطرابات قصور الانتباه/فرط النشاط والتوحد، وكان لديهم أيضاً مستوى أعلى من الأعراض والسلوكيات المصاحبة للاكتئاب واضطرابات القلق.
وفي الوقت نفسه، كانت البنات ضمن هذه المجموعة، أكثر عرضة للإصابة بالسمنة.
وبينما أظهر الباحثون وجود صلة بين سوء معاملة الأم أثناء مرحلة الطفولة والمشاكل الصحية التي يتعرض لها أطفالها، لم يتم التوصل إلى دليل على أن السبب الأخير هو السبب المباشر لذلك. ومع ذلك، ترى كلاوديا بوس، مؤلفة الدراسة المقابلة، أن النتائج تدعم الفرضية – التي تدعمها دراسات أخرى، تشمل دراسات على الحيوانات – التي تفيد بأن سوء معاملة أمهات المستقبل أثناء فترة الطفولة يمكن أن يؤثر سلباً على أطفالهن.
وتضيف بوس، التي تدعو إلى نظام دعم أفضل للتعرف على هذه الأمهات والأطفال في وقت مبكر: «تظهر الأبحاث أنه كلما ازداد تعرض الأطفال لتجارب سوء المعاملة والإهمال، زادت خطورة ذلك، وتكون العواقب الصحية أسوأ على الضحية وعلى الجيل التالي».