إيزابيل أبوالهول..سيدة الكتب حارسة الحكايات

إيزابيل أبوالهول، اسمٌ يتردد صداه في أروقة الثقافة الإماراتية، ليس كاسمٍ عابر، بل كعنوانٍ للوفاء العميق، والعمل الدؤوب، والرؤية الثاقبة. رحلتها الاستثنائية، التي بدأت في زمنٍ كان الكتاب يصارع للبقاء، انتهت بتحويل دبي إلى مركزٍ إشعاعي للأدب والمعرفة. هذه المقالة تسلط الضوء على مسيرة إيزابيل أبوالهول، إسهاماتها الجليلة، ودورها المحوري في بناء مشهد ثقافي مزدهر.

جذور ثقافية في دبي: قصة إيزابيل أبوالهول

وصلت إيزابيل أبوالهول إلى دبي عام 1968، قادمة من مدينة كامبريدج البريطانية. لم تكن مجرد زائرة، بل باحثة عن وطن، وجدت فيه ضالتها في التراث الغني، والطموح المتجدد. بدأت مسيرتها المهنية في مجال التعليم، حيث عملت في رياض الأطفال لسنوات عديدة، قبل أن تتجه نحو تحقيق شغفها الأكبر: الكتاب. هذا الشغف لم يكن مجرد هواية، بل كان قناعة راسخة بأن الكتاب هو مفتاح التنمية، ونافذة على العالم، ورفيق لا غنى عنه في رحلة الحياة.

تأسيس “المجرودي” وبذور الأدب في الإمارات

في عام 1975، أطلقت إيزابيل أبوالهول سلسلة مكتبات “المجرودي”، التي سرعان ما أصبحت منارة للمعرفة، ووجهة مفضلة للقراء من مختلف الأعمار والخلفيات. لم تكن “المجرودي” مجرد مكتبة تبيع الكتب، بل كانت ملتقى ثقافياً، يعقد الندوات، ويستضيف الورش، ويشجع على القراءة والمناقشة. هذه الخطوة كانت بمثابة بذرة لنمو الأدب والثقافة في الإمارات، ومهدت الطريق لمبادرات أكبر وأكثر طموحاً. بالإضافة إلى “المجرودي”، أسست داراً للنشر متخصصة في كتب الأطفال باللغتين العربية والإنجليزية، مع التركيز على المحتوى الذي يعزز الهوية الثقافية للمنطقة.

“بستان القصص” ودعم التعليم باللغة العربية

إيماناً منها بأهمية اللغة العربية، ودورها في الحفاظ على التراث والهوية، أطلقت إيزابيل أبوالهول مبادرة “بستان القصص” بدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. تهدف هذه المبادرة الطموحة إلى تطوير التعليم باللغة العربية، وتعزيز دور المطالعة في حياة الطفل. من خلال “بستان القصص”، أتيحت الفرصة للمعلمين لتأليف قصصهم الخاصة، واستخدامها في البرامج التعليمية، مما أضفى حيوية وإبداعاً على عملية التعلم. هذا المشروع يعكس التزام إيزابيل أبوالهول الراسخ بدعم اللغة العربية، وتشجيع الأجيال الجديدة على التمسك بها.

مهرجان طيران الإمارات للآداب: أيقونة ثقافية عالمية

في عام 2008، حققت إيزابيل أبوالهول نقلة نوعية في مسيرتها الثقافية، بإطلاق مهرجان طيران الإمارات للآداب. لم يمض وقت طويل حتى أصبح هذا المهرجان أكبر مهرجان أدبي في منطقة الشرق الأوسط، ويستقطب كبار الكتاب والمفكرين من جميع أنحاء العالم. المهرجان لا يقتصر على الاحتفاء بالأدب المكتوب، بل يمتد ليشمل الأدب المنطوق، والشعر، والمسرح، وغيرها من الفنون الأدبية. بفضل رؤية إيزابيل أبوالهول، أصبح المهرجان منصة للحوار الثقافي، وتبادل الأفكار، وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وقد حصد المهرجان العديد من الجوائز والتقديرات، بما في ذلك لقب أفضل مهرجان في الشرق الأوسط لثلاث سنوات متتالية (2013، 2014، 2015).

مؤسسة الإمارات للآداب: ترسيخ مكانة دبي كعاصمة للكلمة

في عام 2013، وتزامناً مع انعقاد مهرجان طيران الإمارات للآداب، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مرسوماً بتأسيس “مؤسسة الإمارات للآداب”، وعين إيزابيل أبوالهول رئيسة تنفيذية للمؤسسة، وعضواً في مجلس أمنائها. هذا القرار كان بمثابة اعتراف رسمي بدور إيزابيل أبوالهول في بناء المشهد الثقافي في دبي، وتأكيداً على أهمية الأدب والثقافة في التنمية الشاملة. تساهم المؤسسة في دعم الكتاب والمبدعين، وتشجيع القراءة والمطالعة، وتنظيم الفعاليات الثقافية، وتعزيز الحوار الحضاري.

تكريمات وجوائز: اعتراف بمسيرة حافلة

حصلت إيزابيل أبوالهول على العديد من التكريمات والجوائز، تقديراً لمسيرتها الحافلة بالإنجازات، وإسهاماتها الجليلة في مجال الثقافة والأدب. من بين هذه التكريمات:

• لقب شخصية العام الثقافية من قِبل صاحب السمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة (2010).
• وسام الإمبراطورية البريطانية (OBE) تقديراً لدورها الريادي في نشر الثقافة وتعزيز الحوار الحضاري (2012).
• جائزة الشخصية الثقافية المميزة من مؤسسة العويس الثقافية (2014).

هذه الجوائز ليست مجرد شهادات تقدير، بل هي دليل على الأثر العميق الذي تركته إيزابيل أبوالهول في قلوب وعقول الناس.

إرث ثقافي مستدام

اليوم، وبعد أكثر من خمسة عقود من خدمة الكتاب، تظل إيزابيل أبوالهول، “أم منصور” كما يحلو للجميع تسميتها، رمزاً حياً للثقافة التي لا تعرف الحدود. لقد نجحت بجدارة في تجسيد رؤيتها بأن الأدب ليس ترفاً، بل هو حياة كاملة، وأن الاستثمار في المعرفة هو الاستثمار الأجمل في مستقبل الأوطان والأجيال. إن إرثها الثقافي سيستمر في الإلهام والتأثير، جيلاً بعد جيل، وسيظل اسمها محفوراً بأحرف من ذهب في سجلات الثقافة الإماراتية. إن دعم المطالعة و الأدب و التعليم كان دائماً في صميم عملها، وستبقى هذه القيم هي التي توجه مسيرتها المستقبلية.